على الرغم من التحرّكات والجهود الدولية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن ودفع الأطراف السياسية للتوصّل إلى سلام دائم وشامل، جاءت تصريحات قادة الميليشيا الحوثية الموالية لإيران لتؤكد من جديد أن السلام الذي تسعى إليه هو الذي يحقّق شروطها ويمكّنها من المحافظة على مكتسباتها العسكرية والاقتصادية، وما دون ذلك هو جولة جديدة من الحرب التي يجري الاستعداد لها.
وجاءت تصريحات وزير دفاع الحوثيين محمد ناصر العاطفي متناقضة تمامًا مع التطورات الإيجابية التي شهدتها الأزمة اليمنية وخاصةً إتمام عملية تبادل نحو 900 من الأسرى والمعتقلين والمختطفين منتصف هذا الشهر، والخطوات الجارية لإعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين المملكة العربية السعودية وإيران، إذ قال العاطفي خلال زيارته الخطوط الأمامية في جبهة محور حيس في محافظة الحديدة الساحلية (غرب اليمن) في 24 أبريل “أعددنا سلاح القوة والردع الإستراتيجي، وجهزنا جحافل الجيش المسلّح بالهوية الإيمانية واليمانية”.
وممّا يدل على أن الميليشيا تنشد “الاستسلام” وليس السلام، والذي تحاول فرضه مستغلّة سعي دول المنطقة لحل الصراعات التي نشبت منذ عام 2011، ما قاله وزير دفاع الميليشيا “لن يطلبوا بعدها هدنة بل سنجعلهم يهرعون إلى صنعاء خانعين خاضعين للسلام والسلم والاستسلام”، زاعماً أن “القوة هي من ستصنع السلام ودول التحالف لن ترتدع وترحل من اليمن إلا بالقوة”.
العاطفي لم ينف في الوقت نفسه أن ما سمّاها “القيادة الثورية والمجلس السياسي الأعلى يفاوضون على عدّة بنود محورية” يراها “تصبّ في صالح الشعب اليمني” فيما هي تصبّ في مصلحتهم مثل فتح المطارات والموانئ ودفع رواتب الموظّفين وتسوية سياسية قائمة على الواقع الجديد الذي أفرزته 8 سنوات من الحرب.
وبالنظر إلى الخارطة السياسية والعسكرية وما آلت إليه الأوضاع منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء ومحافظات عدّة في سبتمبر عام 2014 وما تلاها من حرب أواخر مارس عام 2015، فلا يبدو في الأفق ما يدل على أن الحوثيين سينفّذون قرارات مجلس الأمن وأبرزها القرار رقم 2216 التي تطالبهم بالانخراط في مفاوضات سياسية بعد الانسحاب من صنعاء والمحافظات وتسليم الأسلحة والمعسكرات إلى الجيش وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، والتخلّي عن المكاسب الاقتصادية الهائلة التي خلقت طبقة جديدة من الأثرياء ممّن ينتمون إلى الحوثيين أو الأسر الهاشمية.
وفي إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن حذّر المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن هانس جروندبرغ من أن “تلك الإنجازات ليست كافية. فلا يزال اليمنيون واليمنيات يعيشون معاناة لا يمكن تصورها كل يوم. والتطورات الأخيرة تذكير بأن التصعيد يمكن أن يعكس بسرعة المكاسب التي تحقّقت بشِق الأنفس”.
وأعرب عن “القلق بشأن العمليات العسكرية الأخيرة في مأرب وشبوة وتعز وغيرها من المحافظات”.
وشدّد المبعوث الأممي على أن أي اتفاق جديد في اليمن يجب أن يكون خطوة واضحة نحو عملية سياسية بقيادة يمنية. ويجب أن يتضمّن التزاماً قوياً من الأطراف للالتقاء والتفاوض بحسن نية مع بعضهم البعض.
ويجب أن تتجه العملية السياسية نحو المستقبل الذي تريده الكثير من اليمنيات واليمنيين، وهو مستقبل يسوده الحكم الخاضع للمساءلة، والمواطنة المتساوية، والعدالة الاجتماعية، والاقتصادية.