آلمنا ما يقوم به من نظنهم رواة للأحداث وأمناء في النقل لكن ما اتضح انهم يلجون في الباطل بعلم وبجهل وبهوى ومتاجرة بأرواح الابرياء دونما خوف او وجل ولهذا آثرت ان ابين لكم ماهي الضوابط الشرعية والمنح المرعية والامانة العلمية في النقل لما يجري من احداث محدقة بنا وبغيرنا حتى يضع كل ناشر ومخبر ومصرح وناقل وناقد ما يقوم به بحسب هذه الشروط والضوابط ومن باب :"اللهم اني بلغت"
فإن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان، وأنعم عليه نعماً، {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}(الإسراء: من الآية36) . وجعله محاسباً بهذا على حواسه التي أتاه إياها ، وفي العالم اليوم يتعامل الناس بحواسهم مع ما حولهم من الأحداث والأخبار، وقد صار لهذه الأخبار وقعٌ كبير في النفوس، لما حصل من تطور هذه الوسائل التي تنقلها ، وصار الخبر ينتشر مشافهةً ، وكتابةً ، وبوسائل عظيمة من هاتف وجريدة ومجلة وإذاعة وتلفاز وشريط مسجل، وشبكة نسيج، تمتد خطوطها في أنحاء العالم ، ومواقع خاصة بهذا ، وقنوات له كذلك ، فصار للأخبار من السحر والأثر والمكانة بين الناس ما صار، وصار يُنفق في إعدادها، والتخصص بها، والتقارير من أجلها، والشاشات ثلاثية الأبعاد التي تجعل المشاهد كأنه يعيش وسط الحدث، واحتف بهذا من المزينات والمؤثرات، وسحر الإعلام ما يجعل المشاهد يأخذ كل ما يسمع، {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ}(المنافقون: من الآية4). وقد خشي النبي - صلى الله عليه وسلم - على هذه الأمة من تأثير عليم اللسان، والنفس تحب معرفة ما غاب عنها، وتكون متلهفة لعامل الإثارة الموجود في الأخبار ، من التتابع والتنوع والجلب من جميع أنحاء العالم، وقد أدرك أعداؤنا جيداً هذه الصنعة، وعملوا بها واحترفوها، واستعملوا في حرب المسلمين من أنواع المؤثرات ما استعملوا، ومن ذلك الكذب في هذه الأخبار، حتى صارت لعبة لهم، وحرب دعائية يشنونها، وقد قال عليه الصلاة والسلام ((إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار)) ، وقال عليه الصلاة والسلام في حديث البرزخ ((فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيَشُقُّ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الْأَوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الْأُولَى. قَالَ: قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ ، مَا هَذَانِ؟ قَالا: هذا الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاقَ فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)) رواه البخاري . فهذا الذي يكذب الكذبة تبلغ الآفاق، والآخر الملك الذي يتولى تعذيبه في البرزخ حتى يبعث الله الناس يوم القيامة ليكون الجزاء الأشمل والأعم والأدوم.
وكثيرٌ من المراسلين وصانعي الأخبار ينطبق عليهم ما ورد في هذا الحديث، وبعضهم ينطبق عليه حديث الكاهن، الذي يتلقف الخبر من الشيطان، فيكذب معه مائة كذبة، ومن أنواع المنكرات فيها تزييف الحقائق وقلبها، هذا الذي يأتي بخبر الميت حياً، والحي ميتاً، وكم من خبر شاع بين الناس ولاكته أنفسهم ومصدره أفاك أثيم، يُزخرف الخبر، أو يجعل فيه إضافات من المكر، وقد قال الله : {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ}(ابراهيم: من الآية46) . تأثير وشراء ذمم، وهكذا إخطبوط رهيبٌ في العالم، يجري بشراء ما يلزم، وكذلك تسريبات وتضليلٌ وتخطيطٌ وتضليلٌ مضاد، وهكذا يُجتزئ خبر هنا، ويبتر هناك ، وينتقى هنا، وتترك تفصيلات أخرى مهمة، ذكر بعض الحقائق وإخفاء أخرى، إبراز لبعض الجوانب وكتم لأخرى، تركيز وتسليط الضوء على شيء وإهمال الآخر، واستخدام الصورة صار اليوم واضحاً جداً في الخبر وتأثيره، وكذلك تغيير التوجهات والقناعات، والصورة قد تكون ناقصة لهوى معين عند صانعي الأخبار، على مذهب {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ }(النساء: من الآية43). ثم يسكتون عن ذلك، ولذلك يوجد لدى القوم غُرف لغسيل الخبر، والتزوير والتلفيق، وأيضاً فإن كثرة الأوهام والأخطاء في نقل بعض الأخبار عند بعض الناس، هذا يثبت وهذا ينفي وهذا يؤكد وهذا يشكك، ويحصل التضارب وتتزاحم الأكاذيب، ويحدث التحوير والتغيير والزيادة والنقصان، حتى يصبح الخبر ككرة ثلج تتدحرج، وهذا ما يشيع بين الناس أموراً لا حقائق لها، أو أصلها صحيح لكنها مبتورة أو مغيرة، قال الحسن البصري - رحمه الله - : خرج عندنا رجل بالبصرة، فقال: لأكذبن كذبه يتحدث بها الوليد !!، قال الرجل: فما رجعت إلى منزلي ( أي هذا الكذاب ) حتّى ظننت أنها حق لكثرة ما رأيت الناس يتحدثون بها.
ثم هناك انحياز في تحليل الخبر، وتحليل مبطّن، وتعليقات على الحدث، قال ابن القيم - رحمه الله - : وكل أهل نحلة ومقالة يكسون نحلتهم ومقالتهم أحسن ما يقدرون عليه من الألفاظ، ومقالة مخالفيهم أقبح ما يقدرون عليه من الألفاظ، ومن رزقه الله بصيرة فهو يكشف به حقيقة ما تحت تلك الألفاظ من الحق والباطل.