أشعر بذات المرارة التي يشعر بها الزميل العزيز رشاد السامعي.. إذ ربما نتشارك بعض المواقف المتساهلة تجاه الشهيد محمد علي مهدي، وحفزني مقاله عن المرحوم ومشكلته لأكتب هذا..
ذات يوم (أواخر 2018) ذهبت لزيارة العقار الخاص بأسرة الفقيد وأخذت لها صورا بتلفوني البائس.. كنت بصدد كتابة تقرير عن الموضوع كنموذج لحالات البسط على أملاك الناس في تعز، هل هي مبررة أم لا؟!
ذهبت لأتاكد عما إذا كانت تلك المساكن تستخدم كمستشفيات ميدانية، أو موقع عسكري، كما يزعمون، (وعلى افتراض الحاجة الضرورة التي لا بديل لها)..
في الحقيقة، الأملاك مغرية، فلل وبيوت مبنية في الأطراف وفيها باحة واسعة "عشرات القصب"، وفيها ديوان كبير أو صالة مصغرة تكفي العشرات وكانت أشبه بالعامة يستفيد منها أبناء المدينة، وخصوصا محدودي الدخل، في مناسباتهم وافراحهم واحزانهم، ولم تكن تجارية..
هدموا السور "الباسطون على العقار" من أحد جانبيه ليكون طريقا وسط الحوش الواسع (ربما) لتبرير الحاجة للاستخدام لغرض عسكري..
على كل حال لم يكن هناك مشكلة في السماح لهم بالمرور، اذا اعيدت المساكن لملاكها، إذ لم يكن لديهم اي جنوح نحو العنف او المنع بالمطلق، وهذه شهادة لله، وثمة مواقف مؤيدة لكلامي من واقع ومواقف لمستها لدى محمد علي مهدي وأقاربه.. كان المرحوم يقطب جبينه دائما ويقول.. "يا خي مانشتيش مشاكل، خليها بالسهالة"..
(أحد اكبر القيادات العسكرية في تعز، قال يوما للمراجعين الذين طلبوا تدخله وتعاونه لاقناع قيادة اللواء بإعادة املاك أسرة محمد مهدي "انتم رجال، تبندقوا وابصروا شلة، وخرجوا حقكم بالقوة"..
هكذا هي عقلية الرجل الأول أو الثاني في جيش تعز.. لا أدري بالضبط ما ترتيبه الفعلي.. وكان محمد يعلق على كلامه مستنكرا "يا خي مانشتيش مشاكل")..
لنعد إلى العقار المبسوط عليه..
يسكن الناس من أعلى تلك الفلل واسفلها وعن يمين وشمال، وليست العقار أقرب المواقع للجبهة او خطوط النار أو التماس وهناك عشرات المساكن بعدها في كل الاتجاهات وليست قطعا مكشوفة باي اتجاه نحو خطوط النار.
كما ولم الاحظ ما يدل حينئذ على أدنى استخدام لتلك المنازل لاغراض طبية.. ولا حتى "شرنقة"..
حارس واحد فقط، كان هناك يومها لحراسة العقار.. لا الموقع.. وكان يوم جمعة..
كان محمد علي او اي من أقاربه اذا جاؤوا بأمر او توجيه من مسؤول، اطلعت على بعضها، كاوامر من وكيل المحافظة اللواء عبدالكريم الصبري، لقيادة اللواء اشهروا في وجههم جملة مبررات مع اضافة تهمة "الحوثية" بغرض الامعان في الابتزاز.. وسمعت هذا بأذني..
أحد ضباط اللواء الذين اتصلت بهم ذات مرة، حين كنت بصدد كتابة تقرير حول الموضوع، وبعد أن ضاق صبره وصدره من نقاشي رغم تأكيده انه ليس صاحب قرار وليس نافذا على املاك علي مهدي قال لي "هم حوثة".
سألته يعني ايش افهم من كلامك.. مباحين يعني، من يقرر هذا الكلام وايش اللي يترتب عليه.. هل تقول فلان حوثي من أجل البسط على املاكه، هذه فوضى..
قال: لا، حتى احنا نقول كذه، هذا على القضاء، بس لا تقلقوا المكان بيرجع ويسلم لأصحابه بعد التحرير..!
(ولأجل هذا ربما لم تعد مهمة التحرير اولوية بالمطلق لدى القيادات اللاهثة وراء املاك المواطنين وكأنهم يطلقون وعد المستحيل)..
قلت له وإذا ما وقعش تحرير خلاص "اصبروا للصراب"..
فضحك "حتى اخضلت لحيته والمته بطنه" وقال: يا خي والله ما لي سلطة على حاجة ولا لي علاقة، بس اكلمك باللي اعرفه طالما اتصلت بي وسألتني فجاوبتك باللي اعرفه.
توقفت عن كتابة التقرير حينها بطلب من محمد او احد أقاربه، لأنه كان ينتظر مسعى يقوم به وكيل المحافظة عبدالقوي المخلافي، الذي ذهبنا ذات يوم إلى منزله نراجع على المنازل، بلا جدوى، وايضا عارف جامل واخرون، بلا فائدة..
فقط مبررات مجترحة على دماء المخلصين لتبرير الجموح نحو السطو على أملاك الناس لحظة غفلة منهم او تردد او خوف، (أو مبادرة لتقديم خدمة ودعم مهمة يعتبرونها وطنية)..
وفي الاخير ذهبت ضحية للباسطين على منزلك.. يقولون انك قررت أخيرا استعادة املاكك بواسطة "حديدة" تجابه بها أفرادا مسلحين في الشارع بعيدا عن املاك أسرتك..
رحمة الله تغشاك..
ولا رحم الله كل من تواطأ او تساهل في نهب املاكك وصولا لازهاق روحك..
نعتذر يا محمد على خذلاننا لك.
نعتذر إلى الأبد.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك