ثلاث حوادث قتل بشعة جرت في أقل من شهر، تفاوتت درجة البشاعة فيها واختلفت حملات النشر والترويج لها وتعددت الجهات المنفذة، لكن الضحايا والبعد الإجرامي والنزعة التوحشية فيها لا تختلف كثيرا.
ربما كانت قصة الشاب التعزي بائع الهواتف عبد الله الأغبري قد حازت على المستوى الأول من الترويج والتنديد وهي تستحق أكثر من مجرد مسيرات الإدانة وبيانات الشجب، وخطابات المطالبة بمعاقبة الجناة، وهذه القضية معروفة بتفاصيلها وما نشر عنها من صور ومقاطع فيديو وتصريحات أطباء وشهود وجناة ورجال بحث.
***
لكن قضية مشابهة جرت منذ أكثر من ثلاثة أسابيع في محافظة تعز لا تختلف كثيرا عن جريمة تعذيب وتصفية المجني عليه عبد الله الأغبري، حيث أقدم مجموعة من المسلحين الرسميين من "الحشد الشعبي"، باقتحام منزل العقيد عبد الحكيم الجبزي ركن عمليات اللواء 35 مدرع الذي كان يقوده الشهيد العميد عدنان الحمادي قبل اغتياله غدرا، قامت العصابة باقتحام المنزل واغتيال الدكتور أصيل ابن العقيد الجبزي، ولم تكتفِ العصابة (الشرعية) بذلك بل قامت بالتمثيل بجثة الشهيد وتقطيع أجزاء من جسده، ثم رمي جثته في أحد مجاري السيول، في عملٍ "شرعيٍ" جدا ومن الدرجة الأولى، وحتى اللحظة لا محافظ تعز ولا مدير أمنها ولا قائد محورها فعلوا شيئا لملاحقة الجناة في هذه الجريمة الوحشية فائقة البشاعة.
***
ومنذ ثلاثة أيام تداولت وسائل التواصل الاجتماعي خبر الغدر بالشابين صالح علي صالح الحدي وزميله علاء الحميقاني في مدينة زنجبار بمحافظة أبين وقيل إن أحد المتصلين عرض على الشهيد الحدي بيع قطعة سلاح نادرة وطلبه للمقابلة بعيدا عن محل عمله مع إحضار ثمن القطعة وفي لحظة اللقاء جرى قتل الشابين وهرب الجناة بعد أن نهبوا المبلغ المالي، وحتى اللحظة لم يصدر من أية جهة رسمية في محافظة أبين أي تصريح أو تبيين لخلفيات الجريمة أو أوليات التحقيق أو شيءٍ آخر عن الجناة ووجهتهم.
***
كثيرة هي التفاصيل غير المهمة المحيطة بظواهر القتل الثلاث وسواها عشرات الحالات مما لم يصل إلى وسائل الإعلام، لكن ظاهرة القتل البشع ولأسباب أحيانا من التفاهة بما لا يتصوره عقل عادي، تبين جريمة أخرى، وهي انحدار البشر باتجاه البهيمية واستفحال واستسهال نزعة القتل وتراجع وانهيار كل القيم الأخلاقية ذات الصلة بالعدل والرحمة والخوف من العقاب الإلهي والدنيوي، وتنامي ظاهرة الاستهتار بكل المقدسات وممارسة كل المحرمات، والاستعداد لمنافسة الوحوش وحشيتها والبهائم بهيميتها، مع فارق أن الحيوانات (المتوحشة والأليفة) لا تأكل لحم بني جنسها كما يفعل بعض المحسوبين على بني البشر.
من السابق لأوانه الحديث في الدوافع النفسية والأخلاقية والجنائية والاجتماعية والدينية والسياسية لهذه الظواهر المخيفة، لكن لا بد من الإشارة إلى أنه وحتى في المجتمعات التي لا توجد فيها دولة وقانون (مدني أو وضعي) توجد قوانين غير مكتوبة تستبشع البشاعة وتحتقر الجريمة وتردع من يرتكبها، وتلك هي المتعارف عليها بالأعراف الإنسانية والقيم الأخلاقية، لكن لا بد من الاعتراف أن غياب هذه المعايير مع غياب الدولة والقانون قد أطلق يد المجرمين والمتعطشين لشرب الدم الآدمي، وسيستقطب هذا الوضع المنفلت الكثيرين من عديمي الأخلاق وضعيفي الإيمان وسيئي التربية ليغدوا جنودا إضافيين في جيش القتلة والمجرمين وقطاع الطرق.
وأخيرًا لا بد من الاعتراف أن هذه الظواهر قد نمت بذورها في أقبية الأجهزة الأمنية ومراكز الاعتقال والتعذيب التي كانت تمارس فيها على الضحايا شتى أشكال القهر والإذلال والانتهاك وسوء المعاملة وما انتقالها إلى العلن في ظل غياب الرادع القانوني والديني إلا نتيجة عادية مثل انتقال العدوى من المريض المتكتم على المرض إلى عامة الناس.
وإذا كانت العرب قد قالت قديما إن "الناس على دين ملوكهم" فماذا نتوقع من أناس مثلهم الأعلى مجموعة من القتلة واللصوص والمجرمين الذين يتدثرون بثوب الوطنية والإسلامية والقرآنية وهم بعيدون كل البعد عن هذه المسميات السامية.
رحم الله ضحايا القتل والاغتيال وأسكنهم جناته الفسيحة، واللعنة اللعنة على القتلة والمجرمين..
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك