"أنا لا أنام.. خائفٌ ليلاً، تائه نهاراً " عبارةٌ سمعتها من يمني مثقلاً بهمومٍ كالجبال وقعت على كلكله. طاويٍ أكلت أحشائه الفاقة واعترى وجهه غَبَرُ السنين. أطلقَ آهة مخنوقة وحزينة ولمحت فى عينيه عَبَرات إنكسار هاربة. افتقد لليد الوطنية الحانية والصدر الحنون الذي يصغي إليه ويستوعب همومه وآلامه في وقت الشدّة.
إنها الحرب الملعونة التي سحقت أروح الناس وهوت بهم في وادٍ عميق. لأن لها اوجه مأسوية اخرى غير ارقام الضحايا وحجم الدمار. هناك أثار اكثر إيلاماً من كل ذلك.. وللأسف لم يلتفت اليها معظم الساسة والكتاب والمثقفين. الإنسان اليمني كإنسان، وكقيمة وككيان يُهشّم دون اية رحمة!
فأين دور المثقف في إبراز هم المواطن اليمني كتابة وتعبير عن مأساته بصدق في الداخل وفي بلاد الشتات؟ للأسف، وقف معظمهم عند حدود مصالحهم السياسية والمادية. ووجد الكثير منهم في الحرب مغنماً وفي أمراءها ملجئاً، فتركوا رسالتهم والتحقوا في سوق المصالح والاستقطابات.
خُذلَ اليمني من الجميع ولم يعد يحلم بشيء سوى استعادة دولته وجمهوريته كي ينام دون قلقٍ أو خوف يريد خدماته المستحقة ولا يعنيه نوعية الحاكم، لأنه أدرك أن كل أطراف الحرب هي سبب الكارثة وانها مسؤلة بشكل او بآخر عن مأساته وأنه لن ينتصر أحد على إرادة الأمة مهما طال أمد الصراع!
أنهكت الحرب جميع اليمنيين بما فيهم أطرافها وأصبح لديهم قابليةً للحلول إذا ما وجدوا الصدق من المجتمع الدولي والإقليمي والدفع بهم في ذلك الاتجاه. ولعل أخطر عوامل استمرار الحرب حالياً هو مصادرة الإرادة وانتزاع القرار من أيديهم ودخول قوى خارجية على الخط فباتت تؤثر على مجريات الأحداث في اليمن لتحقق من خلال استمرار الحرب مصالحها ورسم الخرائط السياسية وفقاً لاستراتيجياتها وهواها بعيداً عن لهيب الحرب التي يشتوي بها اليمن أرضاً وإنسانا.
ملعونةُ هذه الحرب، وملعون من فجرها، وملعون من يذكي اوراها، لأنها أتت على المواطن المدني البسيط وحده ومصادر عيشه. قادت إلى تشظي أسرته ومجتمعه، استمر الخوف والفقر والتيه الشرود في تفاصيل حياتنا، ليشكل في سماءنا ليلاً من الحزن طويل. فالحرب ستنتهي يوماً ما، لا ريب، ولكن ستبقى آثارها شاخصة لقرون تلعن أصحابها ما بقيت تلك الآثار وما بقيت الجروح.
لم تقف انتهاكات الحقوق لليمني عند حد مصادرة حريته ودولته وابتلاع قوت يومه وتدمير مصادر رزقه، بل تعدتها إلى تشويه الصورة الذهنية للقامة الاقتصادية والعلمية والسياسية للمواطن اليمني عند الآخرين في بلدانهم، برغم تمتع اليمني بالاحترام والتقدير الدائمين أينما حل ووصل لسماحته وطيبة قلبه والقيم والروح الإنسانية التي يحملها ويتمتع بها.
وعليه فلا خيار لدى اليمنيين سوى الانتصار على ذواتهم والاتجاه نحو السلام واستعادة الدولة وتنفيذ ما اتُّفقَ عليه في مؤتمر الحوار الوطني واحترام خيارات الجماهير، مالم فهي الحرب التي ستبقي على شلال الدموع والدماء اليمنية ولن تقف عند حد ولن ينتصر فيها طرف طالما وكل طرف مرهونةٌ إرادته لطرف وراء الحدود.
ولن يأتي جريفيث اللعين وغيره بحلول طالما وهو يتقاضى مستحقاته وفوائده تصله دون انقطاع، ولن تسعى المنظمات الدولية إلا لاستجلاب المساعدات الدولية والشحاتة باسم اليمنيين كي تستمر هي في نهب معظما، ولن تدفع الدول باتجاه إنهاء الحرب وضمان العيش الكريم وبناء يمن مستقر وموحد ذو سيادة قبل أن تضمن مصالحها وحقها في مشاركة اليمني ثرواته وقوت يومه.