أدى مقتل المواطن اليمني الشاب عبدالله قائد الأغبري، في محل تلفونات السباعي بشارع القيادة في صنعاء، إلى استياء شعبي وثورة غضب عارمة، شملت كل الفئات والشرائح الاجتماعية.
ورغم أن مقتل الأغبري كان أواخر شهر أغسطس الماضي، إلا أن الكشف عن الجريمة البشعة للرأي العام، كان بعد مقتله بحوالي أسبوعين. وذلك بعد تسريب وعرض الفيديو الذي يوضح كيفية قتله بطريقة وحشية من قبل 5 أو 7 أشخاص. وقد أحدث عرض الفيديو صدى عميق الأثر، وصدمة عنيفة هزت بقوة الضمير والوجدان الجمعي للشعب اليمني، نبهته إلى ما وصل إليه الحال في يمن الإيمان والحكمة…!
وتفاعل الغالبية العظمى من المواطنين مع واقعة مقتل الشاب عبدالله الأغبري، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال الفيديوهات التي يحكون فيها عن موقفهم من الحادثة ومدى وحشيتها، وتأليف الأشعار الغنائية، وكتابة المقالات التي تطالب بالقصاص من القتلة ومعرفة من وراءهم، وكذلك من خلال الرسوم الكاريكاتورية، والنكات الساخرة لما وصل إليه حالنا، ورسم صور له ووصفوه بالشهيد عبدالله الأغبري، وكذلك من خلال التغريدات في “تويتر” والهاشتاجات التي تؤكد دعمها لأسرة الشهيد، وعدم التنازل عن القصاص، وتوج هذا التفاعل بتكوين مجموعة في “فيسبوك” باسم “كلنا الأغبري”.
ويلاحظ أنه لأول مرة في تاريخ اليمن يُجمع الشعب على قضية ويناصرونها بقوة مادياً ومعنوياً، من رجل الشارع البسيط إلى رجال المال والأعمال، رغم أن هناك حوادث إجرامية حدثت قبل وبعد هذه الحادثة، قد تكون أكثر بشاعة ووحشية، كحادثة الشاب “أصيل الجبزي” الطالب بكلية الطب جامعة عدن، والذي تمت تصفيته بوحشية… ولكنها لم تأخذ حقها المطلوب من التعاطف والمناصرة الشعبية.
فقد كانت المظاهرة التي خرجت يوم السبت 12 أغسطس الماضي، من أهم المظاهرات الاحتجاجية العفوية المساندة والداعمة لقضية الشهيد الأغبري، والتي شارك فيها عامة الشعب. ولعل ما يؤكد عفويتها أننا لم نجد ممثلين للنقابات أو الأحزاب أو أية قوى اجتماعية معروفة مشاركة فيها، بحيث تقدم عريضة أو مطالب تحدد من خلالها موقفها ورؤيتها للقضية.
كما حصلت قضية مقتل عبدالله الأغبري على تعاطف واستنكار عربي ودولي، من خلال الوسائل الإعلامية، وأضحت من قضايا الرأي العام.
ولقد فجرت هذه الجريمة تساؤلات حائرة وتفسيرات مختلفة لها لدى غالبية المواطنين، ولعل أهمها: لماذا تم قتله بهذه الطريقة الوحشية المسبوقة بالتعذيب لمدة 6 ساعات متواصلة؟ ولماذا ترك الجناة كافة المستشفيات القريبة، واتجهوا إلى مستشفى خاص بعيد؟
ترى هل نشر وقائع الجريمة هو الذي أكسبها هذا الزخم الشعبي في مقاومة الظلم والوحشية التي مارسها قتلة الأغبري؟ أم لأن الشاب أعزل ووحيد، ويمثل أنموذجاً لحال معظم الشباب اليمني، وبخاصة الريفي، الذين لا يتمكنون من استكمال دراستهم الثانوية بسبب ضيق الحال، وصعوبة أوضاعهم الاقتصادية، ويتوجهون إلى صنعاء للبحث عن عمل لإعالة أسرهم..؟ أم لأن هناك تسريبات تؤكد أن للقضية بعداً اجتماعياً ذا طابع أخلاقي، يمس القيم والدين والأعراف الاجتماعية، ويهدد سمعة المجتمع ككل، ويقلق أمنه وسلامته..؟
ولقد فجرت هذه الجريمة تساؤلات حائرة وتفسيرات مختلفة لها لدى غالبية المواطنين، ولعل أهمها: لماذا تم قتله بهذه الطريقة الوحشية المسبوقة بالتعذيب لمدة 6 ساعات متواصلة؟ ولماذا ترك الجناة كافة المستشفيات القريبة، واتجهوا إلى مستشفى خاص بعيد؟ وما علاقة رئيس المستشفى بأحد الجناة، وبالجريمة؟ وما الذي حدث للأغبري عند وصوله للمستشفى؟ هل فعلاً المستشفى شريك أو متعاون في تلك الجريمة؟
والأهم من ذلك كله هل الوحشية التي أظهرها الجناة عبارة عن مرض سادي متأصل فيهم، أم أنهم يتعاطون المخدرات التي تجعلهم فاقدي الإحساس…؟ وهل كان دافعهم لارتكاب الجريمة البشعة بحق الأغبري، من تلقاء ذواتهم، أم أن هناك رؤوساً كبيرة خفية هي التي أمرتهم بتنفيذ هذه الجريمة؟
ونتج عن تلك التساؤلات بعض التفسيرات من المواطنين، غير مسنودة بأدلة واضحة، منها أن وراء تلك الجريمة شبكة للدعارة والاتجار بالبشر، وعصابة أو تجار مخدرات، وما شابه ذلك. مع أن هناك من يحاول أن يوظف هذه القضية الجنائية البحتة توظيفاً سياسياً، دون أن يستند إلى أي دليل… فالضحية عبدالله الأغبري لم يكن منتمياً لأية جهة سياسية، إنه مجرد شاب قروي بسيط يحفظ القرآن، ولديه وازع ديني قوي يجعله لا يقبل أي عمل يغضب الله.
ولعل الأكثر أهمية في قضية الأغبري، أنها وضعت السلطة القضائية في المحك أمام جريمة مرتكبوها معروفون ومحددون، والوقائع والأدلة المادية واضحة لا لبس فيها. وربما يساعد الضغط الشعبي على السلطة القضائية في محاكمة الجناة، والكشف عن الدوافع والأسباب الحقيقية لمقتل الأغبري، والجهات والأشخاص المشاركين معهم، سواء كانت جهات محلية أم إقليمية أم دولية.
فبعد أن أصبحت قضية الأغبري قضية رأي عام، فليس من مصلحة أية جهة مسؤولة في السلطة، أن تماطل أو تحرف مسار القضية، لأن ذلك سيضر بها كما سيضر بالمجتمع ككل.
*أستاذ الصحافة المساعد بكلية الإعلام - جامعة صنعاء
*عن المشاهد نت