منذ ان قامت ثورة ال 26 من سبتمبر 1962م تشكلت تركيبة هندسية فريدة على هيئة مثلث يقع على كل رأس من رؤسه الثلاثة المشايخ ورجال الدين والسلالين ومن هولاء كان يتشكل ومايزال قوام السلطات الثلاث للدولة (التنفيذية والقضائية والتشريعية) ومؤسسات المجتمع المدني (أحزاب وجمعيات ومنظمات ونقابات) والقطاع الخاص بمؤسساته المالية والتجارية والصناعية.
إنه مثلث أشبه بمثلث برمودا إبتلع السلطة والثروة والجغرافيا ولتعضيد اضلاع هذا المثلث حرص كل من المشايخ ورجال الدين والسلالين على إيجاد كيانات ذات بنية متماسكة لتكون عمقهم الإستراتيجي الذي يؤمن لهم الحماية وحسم الإنتخابات الرئاسية والنيايبة والمحلية وكجيش إحتياطي بجانب الجيش النظامي لحسم الحروب ومنع إنتقال السلطة من ايديهم معتمدين في ذلك على المذاهب والعرقية والمناطقية والطبقية لكي يبقوا على المجتمع اليمني مشتت الولائات ونسيجه الإجتماعي ممزق ويحمل بذور الصراع للحيلولة دون تشكل هوية وطنية يمنية جامعة.
وفوق ما سبق فقد استبدلوا القانون بالعرف والعيب الإجتماعي ومنحوا المشايخ جزء من السلطة القضائية بحيث ان حكم الشيخ يعتبر بمثابة حكم محكمة ابتدائية واعطوا للمشايخ فرصة سحب القضايا من الجهات الامنية والنيابة والمحاكم وهذا كله لتعطيل القانون. بالتوازي رجال الدين كان لهم دور في تسفيه الدستور والقوانين بإعتبارها منتجات بشرية ومارسوا هذا التظليل على الناس برغم ان كل حدود واحكام الشريعة الاسلامية تتضمنها القوانين اليمنية وتراعيها ولا تخرج عليها ولم يدرك الناس ان كل ما يقوله رجال الدين عن الدستور والقوانين ماهي الا مغالطات لاسقاط الدستور والقوانين ليظل الناس يحتكموا لهم وللمشايخ والمصيبة انهم يسقطون هذه الإدعائات على الدستور والقوانين بينما هم صامتون على الاحكام التي يصدرها المشايخ والتي في بعضها لا تمت للشريعة الاسلامية بصلة ومنها على سبيل المثال تغريم قاطع الطريق الذي يناقض حد الحرابة في الإسلام.
ليس ما سبق فقط بل امتدت إستراتيجيتهم للإبقاء على حالة الجهل لمقاومة الوعى والإبقاء على العقلية الغبية ومقاومة الحداثة واستخدموا سياسية الإفقار ليضمنوا شراء واستئجار العامة.
في المقابل ظل هذا المثلث بكل ما يمتلكه من كيانات وسلطة وثروة وسلاح يوجه الضربات المتتالية للتيار المدني المناوئ من احزاب ونقابات مهنية ومثقفين وأدباء وشعراء وكتاب وأكاديمين لكي لا تتشكل إي قيادات شعبية تنور الجماهير وتوعيهم بحقوقهم وبالقانون وتوضح لهم حقيقة مثلث الشر وعلى مر 58 عاماً ألتهم هذا المثلث التيار المدني بالإغتيالات والتهجير والاسكات والإخفاء القسري والفصل من الوظيفة العامة بل أنهم عزلوا التيار المدني عن الجماهير بوصم التيار المدني بالشيوعية والكفر والعلمانية وغيرها من التهم من على منابر المساجد وفي المجالس وفي وسائط الإعلام وفي المناهج الدراسية مستغلين العاطفة الدينية للعامة.
إن كل ما حدث ويحدث في اليمن من مصائب وويلات هو نتيجة طبيعية يدفع اليمنيون ثمنها جراء ولائاتهم الضيقة وربط مصيرهم بمثلث الشر وسيظلون يدفعون الثمن جيلاً بعد جيل ولن تتمكن الجماهير اليمنية من الخلاص مالم يتم تفكيك اضلاع هذا المثلث الذي يشكل المواطنين صفاً من النقاط التي تشكل خطوط هذه الاضلاع.
إن الشعب اليوم بحاجة الى تيار جديد يتخلق من بين صفوف الجماهير بالشراكة مع جميع نخب التيار المدني لصناعة ثقافة تؤسس لقيام الدولة المدنية.
إن التيار المدني اليوم يجب ان يضطلع بدوره في قيادة الجماهير نحو الخلاص ويجب ان يدرك التيار المدني انه لن يكون قادر على المواجهة إلا بتحقق شروط وظروف يصنعهما بنفسه.
من هذه الشروط ان تتوقف نخب التيار المدني عن الاكل من مائدة مثلث الشر ليخلقوا القدوة وليتجنبوا المشاركة في اكل اموال الشعب وليعيش التيار المدني بنفس ظروف وهموم الجماهير ليمتلكوا قلوب الجماهير فالمسألة هي حالة وجدانية مرتبطة بفداحة الشعور بالظلم والضياع والحاجة للخلاص.
على التيار المدني أيظاً ان يتحرر من تحالفاته مع مثلث الشر بشكل نهائي وتحديد مثلث الشر كعدو فعلي للشعب اليمني الذي يتعبر مصدر الظلم والشر والاستبداد والصراعات والازمات والحروب المتعاقبة في اليمن.
يجب ان يفهم التيار المدني وهو في طريقه للتشكل ان هذا التحالف يحب ان يكون استراتيجياً وليس تكتيكيإ للي ذراع مثلث الرعب ليعود الى صوابه او يجبره عن التخلي عن مصالحه ونفوذه وتطلعاته او يوقفه عند حده بل هو تحالف يضمن تحقيق الإنتصار على مثلث الشر كحل وحيد للخلاص.
إن التيار المدني وهو في طريقه للتشكل يجب ان يحشد كل طاقاته وامكانياته لتشكيل تحالف متماسك البنية تغيب فيه الهويات الحزبية والإنتمائات المناطقية والمذهبية مع صياغة ميثاق شرف على أسس وطنية بحتة منحازة لتطلعات وهموم واحتياجات الجماهيراليمنية المطحونة.
إن التيار المدني وقد تشكل واصبح واقعاً عليه أن يلتحم بالجماهير ويرتبط بهم ارتباطاً وثيقاً وان يضع في اول مهامه تغير ما استقر في ذهنية العامة عنه وأن يتوجه للجماهير بخطاب لغته بسيطة مفهومة ومستساغة وتلامس احتياجاتها وهمومها وان يصيغ برنامج عمل سياسي مستمد من تطلعات واحتياجات الجماهير وطبيعة الدولة المنشودة وان يكون محور هذا البرنامج فك ارتباط الجماهير بمثلث الشر.
إن معظلة اليمن هي كامنة بمثلث الشر ولن تستطيع اي حلول ان تنهي فاعليتهم الا بقيام الدولة المدنية بكل ما يحمله المصطلح من معاني واسس.