في نوفمبر من العام 2018، وعندما كانت القوات المشتركة تقترب من تحرير الحديدة وموانئها، ولم يكن يتبقى لها سوى 5 كيلوا من الأمتار، كانت هناك تسريبات تتحدث عن تهديد بريطاني للحكومة اليمنية بوقف العمليات في محافظة الحديدة الساحلية لدواعي الأزمة الإنسانية في اليمن، وعلى اعتبار أن وقف الحرب في هذه المحافظة التي تعد رئة يتنفس بها الحوثيين، ستحل الكثير وستوقف تدهور الأزمة الإنسانية في اليمن.
حينها، تحرك المبعوث الأممي مارتن غريفيث مع بلاده بكل وقاحة وقوة، للضغط على الحكومة اليمنية بوقف الحرب، بهدف إنقاذ المليشيا الحوثية من السقوط النهائي، التي كانت تحتضر، وأثناء التحرير السريع لمحافظة الحديدة وابتهاج الشعب اليمني بتلك الانتصارات، كان رهان كل المراقبون السياسيون على رفض الحكومة اليمنية تلك التهديدات على اعتبار أنها تدخلًا سافرًا في الشئون الداخلية اليمنية، وانتهاكًا صارخًا للسيادة اليمنية، ومحاولة خطيرة لإنقاذ الحوثيين بهدف إطالة أمد الصراع في اليمن المنكوب.
كان رهان الشعب اليمني والمراقبون السياسيون، على ذكاء وقوة ودبلوماسية الحكومة اليمنية حينها في تعاملها مع تلك التهديدات، ومبادرة غريفيث فيما يخص موانئ الحديدة، ورفضتها الحكومة اليمنية والحوثيين معًا، ليعود الحوثيين فيما بعد للمطالبة بإحياء تلك المبادرة بعد أن أدركوا أن الحديدة ستفلت من تحت قبضتهم، غير أن الكارثة هي قبول خالد اليماني وفريقه الخوض في تلك النقاشات أو الخيانة التي تعرض للشعب اليمني ومقاومته الباسلة.
في 14 نوفمبر 2018، أيضًا، كتبت تحليلًا عن ذلك لكوني كنت متابعًا عن كثب المبادرات التي يقدمها مارتن غريفيث لإنقاذ الحوثيين، وأتابع التصريحات الحكومية، والانتصارات السريعة التي كانت تسطر على الأرض وتفاؤل شعبي منقطع النظير، وحذرنا حينها من حفرة غريفيث، وقلنا حينها أنها الحوثيين سيقبلون الحوار لكونهم يدركون أن وقف الحرب في محافظة الحديدة هو إنقاذًا ونصرًا لهم.
حذرنا من أن مثل هذه الاتفاق، سيمنح الحوثيين الفرصة الكاملة من أجل لملمة صفوفهم، واستعادة قواتهم، ثم التحول من الدفاع إلى الهجوم، وقلنا أن الاتفاق قد يكون بمثابة قيد يكبل القوات المشتركة، ويمنح الحوثيين حرية التصرف، وهو بالفعل ما حدث، ويحدث الآن..
منذ 13 ديسمبر 2018 تاريخ توقيع اتفاقية ستوكهولم، لم يلتزم الحوثيين بيوم واحد باتفاق ستوكهولم لوقف إطلاق النار وإعادة الانتشار وتسليم موانئ الحديدة، بل عززت المليشيا من تواجدها، وحفرت المئات من الأنفاق, ووضعت أيضًا المئات من الحواجز الترابية، ونشرت الألغام على نطاق واسع في محافظة الحديدة مستغلة هدية ستوكهولم المقدمة من مارتن غريفيث لهم، وترتكب الخروقات اليومية، وسط تواطؤ أممي، أو تنديد لتلك الخروقات، وهو ما يعني أنا مارتن غريفيث مهمته فقط القضاء على الشرعية اليمنية، ومنح الحوثيين هدية اعتراف دولي، وتسليم اليمن لإيران.
للأسف الشديد، أصبح هذا هو الأمر، وبات غريفيث يدفع اليمن بقوة نحو إيران، لكن نحن نراهن على المقاومة اليمنية وإن كان هناك رجال في الحكومة الشرعية، للدفاع عن اليمن وأرضه، من خطورة خطة غريفيث القاضية بتسليم بلادنا لإيران، ونرجو أن نكسب هذه المرة الرهان، على عكس رهان 2018.
وبالرغم من فشل مارتن غريفيث في إقناع المليشيا الحوثية في تنفيذ اتفاق ستوكهولم الموقعين عليه، وفشله الذريع أيضَا في مهمته بإقناع الحوثيين بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي من ضمنها القرار 2216، يحاول مارتن غريفيث الهروب من فشله بوضع عراقيل أخرى من تحرير اليمن، وتمهيد الطريق للحوثيين بالسيطرة على كل اليمن، من خلال مسودة الإعلان المشترك أو ما نستطيع القول عنها مسودة «استسلام التحالف العربي والحكومة اليمنية».
تابعت مسودة «استسلام التحالف العربي والحكومة اليمنية»، التي يقول عنها مارتن غريفيث "مسودة الإعلان المشترك" لوقف شامل لإطلاق النار، المسربة، وتفحصت بندًا بندًا فيها، وكل بند فيه لغم لصالح الحوثي، وفي نهاية ذلك سيكون الاعتراف الرسمي بانتصار الحوثيين وتسليم اليمن لإيران.
المسودة التي من المتوقع أن يتم تعميدها بقرار أممي جديد، كما فعل في اتفاق ستوكهولم بهدف تقييد القوات اليمنية والمقاومة الشعبية من مواصلة النضال لتحرير بلادهم من التوغل الإيراني، تخلوا تماما من إلزام الحوثيين بالتقييد بها، أو الالتزام بالقرارت الدولية، وهو ما يعني أن تبقى اليمن، في وضع لا حرب، لا سلام، وإعلانًا رسميًا بتقسيم البلاد إلى دويلات ( تعز، عدن، شبوة، حضرموت، مأرب، صنعاء، الساحل الغربي)، وأن تبقى الصراعات داخلية القوي يأكل الضعيف.
بلا شك، أن هذا يزيد من المعاناة الإنسانية في اليمن، ويعمق الانقسام الداخلي، ويطيل أمد الحرب، وفي نفس الوقت يخدم المليشيا الحوثية، لكونها لا تؤمن بكل الاتفاقيات ولا القرارات الدولية، والست السنوات الماضية شاهد على ذلك.
إضافة إلى تقسيم اليمن إلى دويلات، فإن الوثيقة تمنح المليشيا الحوثية نصرًا على التحالف العربي والحكومة اليمنية، فضلًا أن مجلس الأمن الدولي سيلعن الاعتراف بالحوثيين كسلطة أمر واقع، وهو ما يعني سحب صلاحيات الحكومة اليمنية رويدًا رويدًا حتى تتلاشى، وينتهي بها خارج اليمن مطاردة ومطلوبة لدى المحاكم الحوثية.
أخطر ما في الوثيقة التي تغنى بخطر فيروس كورونا في اليمن، رغم عدم وجود هذا الفيرس في البلاد بالشكل الذي يقلق مارتن غريفيث، هو أن يتم منح حرية الحركة للحوثيين، ومنع وأن يتم إدارة مطار صنعاء وميناء الحديدة بالاتفاق مع المليشيا الحوثية، متجاهلًا تمامًا الحكومة اليمنية، وهو ما يعني هنا انتهاء دور الحكومة كشرعية، وتقليص دورها وتهميشها في التعامل معها كحكومة شرعية تسيطر على البلاد.
مارتن غريفيث جعل فيروس كورونا السبب الرئيسي في إعلان عاصفة الحزم ونضال اليمنيين، وليس الحوثيين الذين انقلبوا على السلطة في صنعاء، واجتاحوا البلاد ونشروا الإرهاب، وفجروا منازل المواطنين، وشردوا اليمنيين في كل بقاع الأرض، وهو استهتار واضح بعقول اليمنيين، والحكومة الشرعية وبالتحالف العربي، وكأنه يجد نفسه الذكي وكل الأطراف الأخرى "غبية".
لا تختلف مسودة «إعلان الاستسلام» كثيرًا عن مسودة اتفاق ستوكهولم، في ذات النصوص وذات الطريقة والأسلوب في التهديد والوعيد، غير أن المسودة الأخيرة تمنح الحوثيين الشرعية الكاملة لهم بدلًا عن شرعية الحكومة، وإعلانًا رسميًا لتسليم اليمن لإيران، بطريقة دولية ومعترف بها وفقًا لقرارات أممية لاحقة مجرد التوقيع على تلك الاتفاقية من قبل الحكومة اليمنية..
بعد تلك الوثيقة المسربة، نتوقع من الحكومة اليمنية إن تتخذ إجراءات كبيرة وحاسمة، ضد المبعوث الدولي إلى اليمن مارتن غريفيث، من ضمنها أولًا مطالبته بالتوقف عن المسرحية الهزيلة التي يؤديها، وعدم الخروج عن مسار عمله، والعمل وفقًا لقرارات مجلس الأمن الدولي، وثانيًا منحه فرصة أخيرة لإلزام الحوثيين بتنفيذ اتفاق ستوكهولم الخاص بالحديدة وتنفيذ القرار الأممي 2216، قبل أن يتحدث عن أي اتفاق آخر، وأخيرًا رفع شكوى به إلى مجلس الأمن الدولي نتيجة لمخالفته مهمته وخروجه عن القرارات الدولية، والمطالبة بإنهاء عمله لتجاوزه كل الأعراف الدولية.
إن لم تقدم الحكومة اليمنية على تلك الخطوات أو خطوات أقوى، فهذا يعني أنها مستعدة لإعلان الاستسلام الكامل، وتسليم اليمن لإيران.. وهو ما يعني ارتكاب خيانة عظمى بحق الشعب والوطن، ولا بد من إعلان مقاومة شعبية مسلحة لاستكمال مسيرة التحرير ضد التمدد الإيراني، بعيدًا عن الحكومة الشرعية.