رفض محمد علي باشا قراءة كتاب "الأمير" لميكافلي، الذي قدمه له مستشاروه، ورد بغرور "أنا جئت لصناعة التاريخ وليس لقراءته" فكان ذلك الخطأ سبباً في ان يصحو على أساطيل أروبا تطرق بابه وتحاربه حتى سقط. والأمثلة التاريخية كثيرة في هذا الشأن. فقراءة التاريخ ودراسة أحداث وقصص شخوص الماضي قريبه وبعيده تجعل من يدرس التاريخ يُقيِّم الحس الوطني والأخلاقي الخاص به، ويسعى لتطويره وصقله وبالتالي يكون بمقدوره تجنب التعقيدات التي واجهها الأشخاص في ظروف حياتهم الصعبة.
عندما كان يسخر علي صالح وأقرانه من حكام اليمن من العلم في عمومه والتاريخ على وجه الخصوص وقعوا في شباك الهاشمية السياسية لأنهم لم يقرؤا تاريخ مآسيها ولم يدركوا أن دعواها الامامية لم تنته وأنها كانت تعيش في عباءته تُهشِّمُ سيقانه لتسقطه وتقيم دولتها هي. كان لا يجيد الحسبة الايجابية والعد حتى العشرين حتى وجد نفسه مقتولاً بسلاح الشعب الذي خزنه على حساب قوته.
كانت ولازالت كلية التاريخ في اليمن آخر ما يفكر بها طلاب الجامعات حتى أغلقت من قبل الحوثيين مؤخراً، نتيجة لسوء فهم الدولة والمجتمع وعدم إدراكهم لأهمية دراسة التاريخ وان الكتب التاريخية التي نشرت بمختلف اللغات عن مصائر الممالك والرؤساء والملوك كانت مليئة بالعبر والأحداث والمآسي.
إن الهدف من مقاربات كهذه هو تذكير الناس سواء كانوا قائدة أو حزبيين أو فنانين أو كتاب نشطين بأن هناك من سبقوهم، وعبَّدوا لهم الطريق، وكم كان أبو الأحرار الزبيري حصيفاً وحراً حينما قال: "إقرأوا التاريخ حتى لا تقعوا في أخطاء السابقين" وكأنه يقول ليس لدي ما أقوله سوى القليل بعد كل هؤلاء السابقين.
كما انا نلاحظ تماهي فاقع للاشتراكي مع الحوثي، فيما يبدو كزاوج بين المأساة والملهاة لأنه لم يقرأ تاريخ الثورة الإيرانية وما فعله الخميني مع اليسار بعد أن أشعلوا الشارع الإيراني وهيجوا مشاعره ضد نظام الشاة حتى سقط، دفعت بهم مآسي الماضي مع أنظمة اليمن إلى اللحاق بغبار الشيطان. فقدوا البوصلة التقدمية والأممية ومحاربة الاقطاع والدعوة إلى شيوع المال العام ومحاربة الاسر الاقطاعية والدعوات الإلهية برمتها ثم انكبوا عند اقدام الامامة الراجعة خدمة وتمسُح! نحن في زمن السخرية والجنون ترى الشاه ترقص مع الجزار فيما الجزار يغازل بشفرته الضحية.
ما الذي جرى؟ ماذا أصاب الحزب الاشتراكي الذي كان يوماً دولة؟ وشارك بفاعلية في الثورات التحررية اليمنية من كهنوت الإمامة والاستعمار. شكل قادة فدائيين وأجناد غذى كل الجبهات بالمقاتلين الشجعان، ورفد بأفكاره كل فاقدي البوصلة الفكرية. حاكى عقول الطبقات المهمشة والفقيرة. أين جار الله عمر؟ أين عمر الجاوي؟ أين علي عنتر وعبدالفتاح إسماعيل والربادي ومحمد صالح فرحان وعبدالرقيب عبدالوهاب والسلال والزبيري والنعمان؟ ماذا لو أطلوا من قبورهم ورأوا ماذا أحدث عُبَّاد الوثن والوظيفة والهوى بعدهم؟
صدَّقَ الإخوة في الاشتراكي مغازلة الهاشمية السياسية عندما عاشوا وهم المظلومية بعد الوحدة. كانت الهاشمية تغوص في أعماق السلطة وأجهزتها المالية والأمنية وتعمل ضدهم وهم يقاتلون على رؤوس الجبال ينشدون العدالة الاجتماعية والحرية. فما الذي جمع الضدين في خلد الذاكرة الاشتراكية؟ أُشيع قبل احتلال صنعاء أن الحزب كان يتقاضى دعماً مالياً من إيران، فلم نصدق حينها حتى أفصح بذلك علي البخيتي في أحد مقالاته الجريئة، وقال ذهبنا إلى زيارة إيران قبل السقوط ومعنا أعضاء في الحزب الاشتراكي، واستقبلهم وحاضرهم وأكرمهم حسن ايرولو الحاكم الفارسي الجديد لصنعاء، ما لذي جمع المشرقي بالمغربي؟
لم نصدق ونعتقد أن سلطان السامعي الذي كان يقارع الظلم في فترته النيابية واعتبرناه حينها رمزاً تعزياً للتمرد والحرية، سيصبح ضارباً للمندل ومنجم وممهداً لعودة كهنوت الإمامة. عند إطلاقه للصرخة اعتقدنا أنه كان من باب الكيد السياسي بالخصوم حتى أصبح عضواً فاعلاً في الحركة يؤمن دون إيمانٍ ويرقص دون سيقان ويخطب دون أسنان ويمضي في طريقٍ هو يعلم منتهاه وملامحة يوحي بالهزيمة والحزن، وستنتهي المسرحية حين يفعل حسن إيريلو بهم كما فعل الخميني باليسار الايراني بعد تربعه للعرش وما فعلة بالبعث بعد أن عاش في كنفه عندما كان منفياً متسولاً في العراق مطارداً من نظام الشاه يبحث عن أمان.
لأنهم لم يقرأوا التاريخ! ولو فعلوا، لأعتبروا من دروسه، ولما كرروا زلات السابقين! ويخطئ من يعتقد أنه أول من غنى أو كتب أو ظن بأنه آدمُ المعرفة.
تعاطف البعض مع شباب الاشتراكي عندما حملوا البندقية في وجه السلطة دفاعاً عن حق الفقراء ولتطبيق مبادئ العدل والمساواة بين الرعوي والشيخ والسيد والمسود والقائد والمقود. شايع فقراء تهامة الاشتراكي عبدالباري طاهر عندما تحدث عن العدل والمساواة بين الطبقات واعتبروا مبادئه خلاصاً لأبناء تهامة من رق القوى التقليدية ونظامها المريض.
أُعجب الناس بالمناضل محمد حسن الربادي عندما خاطب صالح بلسان الرعية، قائلاً كان لديك خمس فرص لبناء الدولة فأضعتها! دعي على إثر الخطاب للقاء صالح في تعز وبعد ثلاث مات في ظروف غامضة.
خانت إخواننا في الاشتراكي الذاكرة وتناسوا أن الهيلوكس قتلت 152 عضوا من قيادات الحزب في شوارع صنعاء بعد الوحدة، وللهاشمية الف يدٍ فيها عندما كان الحوثي واشياعه حملة مباخر النظام السابق وكتبة تقاريره الأمنية وقادة أجهزته الاستخباراتية، وكانت تلاحقهم في أروقة الجامعات وعلى أرصفة الشوارع وتحاربهم في وظائفهم وأقواتهم حتى فقد الكثير منهم قواه العقلية وبات هائماً يجوب الشوارع.
الحوثية إيرانية بامتياز ولن تقبل بأحد من اليمنيين أو الهاشميين الرافضين لمشروعها. لن تسمح لأحد من الأحزاب السياسية إسلاميين، قوميين، اشتراكيين، أو بعثيين بالمشاركة في الحكم. سيلعن كافتهم اليوم الذي توهموا فيه أن الحوثية بإمكانها أن تكون لهم مركباً للنجاة وملاذاً لتحقيق المآرب. حتى الحوثيين أنفسهم يمنيين كانوا أو متوردين ومن صمت أو تماهى معهم أو أعجب سراً بهم سيرى نفسه يوماً تائهاً شريداً مخنوقاً ومحارباً يملأ القهر نفسه وتحفه مخاطر التصفيات والاقصاء من كل جانب إلا من لزم الصمت وسكن بيته وشكى أسقفه وجدرانه هوانه وتساقى مرارته وحيداً وخائف!.