النظرة الجزءية ، وغياب معيار التقييم الحقيقي القائم على أساس الشمولية وحصر السلبيات والايجابيات واصدار الحكم بعد الفرز المبين للكفة المرجحة ، فتح مجال في المجتمع اليمني وأتاح فرصة لغرس مفهوم خاطئ ، شكل خطورة من حيث جر اتجاه المجتمع نحو تأييد المسلك الخاطئ وجرد عقول ابناءه من ادراك الحقيقة.
بعد قيام ثورة السادس والعشرين المجيدة وانتقال اليمن لعهد جديد ، تم غرس مفهوم ان عهد ما قبل الثورة افضل من العهد الذي بعدها ، وكلما كان يرتفع تعداد السنوات التي تمر من بعد الثورة ، كلما كان غرس ذلك المفهوم الأكبر ، وهذا ما أوجد نظرة ايجابية داخل القبيلة اليمنية نحو العصر الامامي قبل الثورة وولد تعاطف مع السلالة الهاشمية ليصب مؤخراً في مصلحة الحوثي الذي جعل الكثير من القبائل تلتف حوله وتشارك معه في الانقلاب على الدولة وبسط سيطرته على صنعاء وعدة محافظات.
تم غرس ذلك المفهوم الخاطئ من خلال الادعاء ان الامام كان عادلاً وساد في عهده العدل بينما ساد الرخاء من حيث رخص الاسعار ، وتم الاستدلال بوقائع وكان استدلال مجرد من النظرة الموضوعية والشمولية لوقائع اكثر غيرها تدل على ظلم الامامة .
الاستدلال بحادثة قتل في عهد الامام حدثت جنب شجرة وفر القاتل ولم يعرف الناس من هو ، فوجه الامام بربط الشجرة حتى ان جاء القاتل وفضح نفسه ، واعتبروا ذاك دليلاً على عدل الامامة .
لم يتطرقوا إلى قيام الامام نفسه بارتكاب عدة جرائم قتل لابناء اليمن ، وكيف للقاتل ان يكون صارماً ومستنكراً لقاتل آخر .
ولم يدركوا ان من فضح ذاك القاتل هو الله الذي جعل النفس بالنفس ليعتبروا ان ماحدث هو عدالة السماء وليست عدالة الامام العاجز الذي كان توجيهه بربط الشجرة دليل على عجزه.
ولم يعرفوا ان الظلم الذي مارسه الامام بحق اليمن اظهره بمجرد طاغية وكيف يكون للطاغية ان يصبح عادل.
ادعاء بأنه كان هناك رخص لأسعار بعض المحاصيل في عهد الأمامة كالذرة وغيرها.
لم يدركوا ان السيولة كانت معدومة أصلاً في ذلك من حيث عدم وجود عملة ورقية داخلية متداولة ، بالاضافة إلى عزلة المجتمع اليمني في ذلك العهد الذي لم يقم بتصدير تلك المحاصيل للخارج بالاضافة إلى ان هناك حالات مجاعة حدثت ومات الناس من الجوع بسبب عدم وجود امطار في بعض السنين أفقدهم الحصول على الغذاء من الداخل وعدم وجود استيراد يمنحهم الحصول على الغذاء من الخارج .
في عهد الرئيس السابق صالح الذي ظل لمدة 33 سنة ، تم غرس هذا المفهوم بشكل كبير داخل القبيلة اليمنية ، وذلك من حيث النظرة إلى أن قبيلة سنحان هي من تحكم اليمن في عهده ومقارنة ذلك بأنها أسوأ من الهاشمية والامامة قبل الثورة .
ولعل ذلك الزامل القبلي الشهير خير دليل على غرس هذا المفهوم الخاطئ ، والذي قال :
ثرنا على السادة وهي كانت عمامة واحدة
واليوم على عرش القيادة ألف سنحاني عقيد
قادة وجلادة وللشعب اليماني حاقدة
هل امتلأتي يامزادة جوبت هل من مزيد.
لم يكن هناك ادراك لخطورة هذا المفهوم ومحاربته من حيث ادراك انه مهما كانت هناك سلبيات في عهد ما بعد الثورة لا يعني ان عهد الامامة افضل ، ونادرية بعض الايجابيات للامام لا تعني افضليته بجانب سلبياته الكثيرة ، إذ أن النادر لا حكم له .