جرحى تعز على ابواب عدن الجريحة!

 لم تفعل الأزمات النفسية الناشئة عن الحروب بين الأمم  كما فعلته الحروب البينية اليمنية بأهلها! سُنت قوانين الحرب بعد بروز بشاعتها "وتطورت حتى أطلق عليها "القانون الدولي الانساني" بتوافق تام بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والتي تعني بأنسنة الحرب أي تفرض على المحارب ألا يتجاوز الأخلاق والقيم الإنسانية ضد المقاتلين من الطرف الأخر في حال ما إذا جرحوا أو استسلموا وأن يطبق مبدأ التناسب في استخدام القوة أثناء الحرب أي أن تستخدم القوة التي تهزم العدو وتجبره على الاستسلام ولا تتجاوزها إلى تنفيذ المجازر البشرية وإحداث الدمار الشامل والاجهاز على الجرحى والمستسلمين والغرقى في البحار.
 يتم تطبيق تلك القوانين والمبادئ الانسانية أثناء الحرب وفي مناطق إدارة الحرب والمواجهات المسلحة أما في حالة السلم وفي المناطق الخالية من الصراع فالحقوق مضمونة أكثر، وعقوبة انتهاكها أشد، لأن دواعي قلق زمن الحرب التي تجبر الانسان أن يتصرف لا إرادياً دفاعاً عن نفسه وسعياً لتحقيق النصر وخوفاً من الموت باتت معدومة.
وعلية ما الدوافع التي تجعل ما يسمى بأفراد الحزام الأمني لعدن ونقاط التفتيش التابعة للمجلس الانتقالي بالتقطع لجرحى الحرب القادمين من تعز وسحب جوازاتهم وإعادتهم إلى منتصف الطريق ليذوقوا عذابات الجراح وحر الطقس وجفوة اخوتهم من اليمنيين في عدن؟! ماذا حل بأخلاق اليمنيين؟ ومن سحق القيم الوطنية وقيم والنخوة والإنسانية عند هؤلاء إلى هذا الحد؟ قد يفرد الانسان عضلاته على من هو متحدٍ أو غاصب أو يشكل خطر عليه من أي نوع، أما أن بنفش كالجرادة ريشه ويحلق كالفراشة على رأس جريح فقد أعضائه في حرب أهداف الجميع فيها واحدة، فذلك منتهى المهزلة والسقوط!
  ما الذي قلب البشر إلى وحوش ونزع منهم حتى معاني الاخلاق والشرف التي كانت عند عرب الجاهلية أي مجتمع ما قبل الإسلام؟ فضلاً عن أنا في مجتمع الحقوق الإنسانية الدولية المعاصرة المكفولة لليهودي والمسيحي والهندوسي والبوذي والمسلم واللاديني على حدٍ سواء.
ما لهولاء القوم لا يفقهون حديثاً اكتساه الحزن أو خالطة أنين الجرحى؟ تأبى فروسية الشجاع ورجولته أن يعتدي على الانسان في حال ضعفه أو كان أعزل السلاح حتى لو كان محارباً؟ ما لهولاء وقادتهم ومن يمثلونهم لا تتحرك لديهم حمية المرأة التي كانت تداوي الجريح وتسقى العطشان وتنجد الملهوف وتكرم الضيف وتؤمن الخائف حتى في غياب زوجها؟ ألم تؤمَّن أم هانئ من لجأ إلى بيتها بعد الفتح وعندما لحقهم علي بن ابي طالب ليقتلهم منعته وذهبت إلى الرسول تشكوه الحادثة وقال لها علية الصلاة والسلام " قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ".
ما الذي جرى مع من كنا نراهم الأرقى سلوكاً والأجمل مظهراً والاكثر تحضراً وثقافة؟ تعشمنا أن يحملوا يوماً معاني الدولة بعد الوحدة على اعتبار أن الدولة كانت في عدن أكثر ضبطاً وتطبيقاً للقانون واحتراما للحقوق؟ ما لذي كشف العفن الذي أزكمت روائحه المارين من كل اتجاه؟ ما الذي أظهر طيش البالغين الكهول ومن يعول عليهم يوماً بناء الدولة وحماية المواطن وخدمته وحفظ سكينته وأمنه؟
ما الذي اربك جيل المدارس والجامعات وأحاله إلى آلة متحركة دون مشاعر؟ هلاّ سألوا من تبقى من عقال وحكماء الزمن الوطني الجنوبي الجميل عن معنى الوطنية؟ حتماً سيخبرونهم بأن عدن كانت محتضن الثوار والخائفين والهاربين من الشمال. كانت تمنحهم كل الحقوق حتى حق الوظيفة العامة وجواز الاقامة والسفر على اعتبار أنهم يمنيون، لا فرق بين شمال وجنوب! هلا سألوا أصحاب يافع الذين كان إذا رغب أحدهم في الهجرة هرباً من نظام الجنوب من أين كان يهرب وما الذي كان يدفع سلطات الشمال لمنحهم الجواز وحق الاقامة والسفر؟ هلا سألوا الهاربين في كل مراحل الصراعات من الجنوب كيف عاملهم الناس وكيف استقبلوهم واستوعبوهم في كل القطاعات المدنية والعسكرية في الشمال حتى تربعوا  كراسي الوزارة وقادوا في الجيش حتى عينوا في مناصب وزير الدفاع صعوداً حتى منصب رئاسة الجمهورية في الشمال؟!
ألم يك اللواء فيصل رجب واللواء صالح طيمس واللواء فضل حسن واللواء عبدالله عليوه والرئيس عبدربه منصور هادي والرئيس علي ناصر محمد وضباط من كل صنوف الوحدات المسلحة  هاربين في الشمال  بعد أحداث يناير 85م وأدمجوا في المؤسسات المدنية وتولوا كل المناصب ولم يسمعوا كلمة واحدة من أحد في الشمال تنعتهم بالمناطقية أو تستفز مشاعرهم بالأذى والاخافة والازدراء؟ 
أين من تولوا المسؤولية والسيادة من القادة الجنوبيين في الشمال حتى اللحظة يخبروهم عن تعامل الناس الراقي معهم في الشمال، ويقوموا بالواجب الانساني والوطني والاخلاقي وإسداء النصح لأولئك الطائشين قيادات وأجناد؟ ألا يدركون أن التاريخ سيسجل كل الاعوار والأفعال ولا سيما تاريخ المحسوبين قادة وصناع قرار؟ لماذا لا يسألون ابناء المحافظات الجنوبية الساكنين في مأرب وتعز وصنعاء وعمران والحديدة من الجنوبيين عن معاملة الناس لهم حتى اليوم؟  لماذا لا يسألون اللواء جهاد علي عنتر كيف أحواله كقائدٍ في الشمال؟
في الاخير لن تبنى دولة بقرية ولا يعتقد من يمارس ذلك السلوك أنه هو الجنوب فالجنوب اليمني ممتد من محافظة لحج الحميري إلى محافظة ذي أبين بن ذي يقدم بن الهميسع بن حمير بن سبأ إلى محافظة المهرة نسبة إلى مهري هو أحد أبنا قحطان بن هود عليه السلام، مروراً بمحافظة شبوة "شبوت" عاصمة مملكة حضرموت كندة بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وليس بمقدور المدعو نصر بن هرهرة الذي سلخ نفسه عن هُويتها ويريد سلخ اليمن عن أصله وتاريخه ويسميه بالجنوب العربي.
وستنتهي الحرب وسترتفع سماوات مآسيها وستحفظ الذاكرة اليمنية للأسف كل فعل ساهم من أي طرف في بث الحقد وشق الصف وستترك أثرها البالغ على سلوكيات الأجيال القادمة وسيدرك الناس أن الدنيا دول وكما تدين تدان والجزاء من جنس العمل!

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص