ستظل اغتيالات، وتشرد، وهجرة علماء بعض الدول جزءاً من الطبيعة الخاصة للأنظمة السياسية التي تحكم هذه البلدان.
هذه الأنظمة ونخبها لا ترى العلم والعالِم سوى أدوات في معاركها السياسية الداخلية والخارجية الخاصة.
وهي لا تنشئ المؤسسات العلمية ولا ترعاها كجزء من نظام أصيل متكامل يسعى إلى تحقيق النهوض والتطور العام الشامل في بلدانها، وإنما كجزر منعزلة تؤدي غرضاً معيناً، غالباً ما يكون مصدراً لابتزاز العالم ومساومته مقابل أهداف تتعلق بمصالح النخبة الحاكمة.
ولذلك فإن التضحية بهذه المؤسسات وعلمائها كثيراً ما تصبح مكوناً من سياستها المركبة من عناصر يتجاذبها التشدد والمرونة.
لقد خسرت هذه البلدان، وخاصة في منطقتنا، علماء ومؤسسات علمية لا لشيء إلا لأن العلم لا ينظر إليه إلا كمكون في السياسة التي تخدم نخبة النظام السياسي الحاكم وليس الدولة ونهوضها الشامل.
ولذلك لا تقدم هذه الأنظمة أي دليل على اهتمامها بالعلماء المهاجرين والمشردين في مجالات كثيرة، حيث يقتصر اهتمامها على حاجتها ممن تعتقد أنها تستطيع بواسطتهم أن تخوض معاركها الخاصة.
هذه السياسة بطبيعتها تضع العالِم في صدارة المعركة دون حماية كافية كالتي يحظى بها السياسيون والجنرالات والأزلام.
ولا تعني خسارته شيئاً أكثر من كونه ضحية تمكن النظام من إعادة الاحتشاد في لحظة الضعف، وهو ما تسخر له هذه الأنظمة الوسائل الإعلامية لتحقق هذا الغرض المؤقت والمطلوب في هذه اللحظة بعينها.
اغتيالات العلماء وقتلهم على هذا النحو عمل منبوذ ومرفوض، لكن الذين يقومون به يدركون جيداً المنزلة الحقيقية لهؤلاء عند أنظمتهم التي لا ترى فيهم غير مشاريع ضحايا حينما تقرر الأطراف المعنية الوصول إلى اتفاق لضبط "المعركة".
العلم يحتاج إلى نظام يرعى البلد كاملاً لا نخبة أيديولوجية حاكمة، كل مؤهلاتها هي تعبئة البلد ومقدراته، بما في ذلك العلم والعلماء، لخوض معاركها.
إن أسوأ ما يمكن أن يتعرض له أي بلد هو أن تتولى شؤونه نخبة تقضي حياتها في تجنيده لخوض معاركها الخاصة في أكثر من بلد وعلى أكثر من صعيد.
حينذاك لا غرابة أن نرى العلماء في طليعة من يضحى بهم.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك