للخيانات السياسية والعسكرية ذكريات مؤلمة تشطر القلب وتخدش الذاكرة، ولها في التاريخ سجلات مثقلة تعج بالأحداث، وما الأحداث التي تمر بها المنطقة العربية إلا انعكاس واستمرار حقيقي لخيانات مختلفة حدثت بألوان متعددة، خيانة الوطن وخيانة الدين وخيانة الشرف العسكري وخيانة الأمة ومبادئها، وخيانة الاتفاقيات والمبادئ ونقض العهود، والخيانة الحزبية " الخيانة السياسية" وخيانة شرف المهنة والقلم.
الخيانة بكل أشكالها وألوانها، عبر التاريخ قبل الإسلام وبعده وعند كل الأمم قديمها وحديثها بمختلف أديانها وثقافاتها تعتبر عملا مَشينا، وممقوتا وعقوبتها الإعدام في معظم قوانين بلدان العالم حتى في الدول التي لا تتضمن قوانينها عقوبة الاعدام، لما تحمله الخيانة من عيب يحط من قدر الانسان ويهتك أستار الشرف ويعرض الأوطان والأمم إلى المهالك والزوال.
أحداث وانكسارات وفشل لقضايا، وحروب عربية كثيرة في العصر الحديث بعيداً عن السرد والتفصيل تحاشياً للجروح كانت نتائج لأعمال الخيانة، وأحداث وهزائم عسكرية عالمية أيضاً كانت لنتائج أعمال التجسس والتخابر من المواليين للأعداء ضد أوطانهم.
خونة أخزاهم التاريخ وحفظتهم الذاكرة، بداية بأبي رغال، وابن العلقمي، وحاطب بن أبي بلتعه، وجون أنتوني وكر التجسس على البحرية الأمريكية لصالح روسيا، ومير جعفر الهندي لصالح بريطانيا،كارل شومختر النمساوي عميل نابليون لصالح فرنسا، والكثير الكثير من قصص ورجالات الخيانة أتحاشى ذكرها كي لا نكون ضحايا أيضاً للخيانة، أما اليوم تطورت الخيانات من مستوى الأفراد وباتت تمارس على مستوى الدول والحكومات وصار التجسس بضاعة رائجة، بشكل إجمالي ولا مساحة للتفصيل وذكر الدول.
في تاريخ اليمن المعاصر ذهب الشهيد محمد محمود الزبيري، وعبدالرقيب عبدالوهاب، وإبراهيم الحمدي ضحايا للخيانة، وقتل فيصل عبد اللطيف مهندس ثورة 14 كتوبر وصالح مصلح وعلي عنتر وشايع وعبدالفتاح إسماعيل وسالمين خيانة، وقُتلَ حميد القشيببي في معسكره خيانة، وتعرض الفريق علي محسن للاغتيال غير مرة في صعدة وفي معسكره بالفرقة الأولى مدرع قبل السقوط لخيانات كادت أن تودي به، لولا عناية الله واستحكام القدر، وقُتل الشدادي في جبهته نتيجة للخيانة وكثير من القادة والمقاتلين في الحرب الحالية استشهدوا كضحايا للخيانات.
يقول ميكيافللي في كتابه الأمير " الغدر والخديعة والإثم وإن سَهَّلتْ نيل الملك فإنها لا تُورِثُ صاحبها المجد" أي لا توصلك إلى السلطة ولن تسجل في سجل الخالدين، كان ذلك مقدمة لما أردت التحذير منه في معارك اليوم في مأرب، وتعز، والحديدة من النازحين والعائدين إليها من الجيش القديم وإلى كل جبهات الوطن.
رجاؤنا من الرئيس ونائبه الفريق علي محسن كونه الأكثر خبرة ودراية بقضايا الساعة وبتفاصيل الجيش الوطني وقادته وما يدور على الساحة اليمنية، ولأنه الحروب الست في صعده ضد عصابات الحرب الطائفية الطاغية، عدم التساهل مع الخونة والمخبرين لأنها أحدثت الكثير من الخسائر والتراجعات مجريات الحرب وما تخبئه الأحداث قد يكون أعظم وأطم.
مع العلم أن كل مواطن يمني مظلوم لديه قضية حزينة وعليه يجب أن ينال حقه في العيش الكريم أينما يريد في الأراضي المحررة، بصرف النظر من أين هو ومن أي اتجاه سياسي أو حزبي، وخاصة في هذه الظروف الصعبة والعصيبة، إلا أن ظروف استقبال النازحين من المناطق التي يسيطر عليها الحوثي مدنيين وعسكرين يتوجب على قادة الجيش الوطني مغادرة العفوية والتعاطف وروح اليمني المتسامح في كل الظروف.
ولا شك أنه من حق كل يمني اللجوء إلى الشرعية وأن عليها فتح أذرعتها لكل قادم من كل مكان وكونها الراعي الأول للرعية ولكل يمني هارب وخائف، والتعامل معهم تعاملاً إنسانياً متساوياً، لأن عزلهم سيكون صعباً من الناحية السيكولوجية والتربوية، وعليه يجب أن يكون الاستيعاب مدروساً وممنهجاً وفقاً لطبيعة المرحلة والحرب واحتياطاتها وخططها الأمنية الدائمة.
لأن حالات الحروب لها وضعها الخاص والاستثنائي حتى في الدول المتقدمة، عملت الحكومة الأمريكية على عزل الجالية اليابانية المتواجدة على أراضيها أثناء الحرب العالمية الثانية وحرمتها عن كثير من الخدمات والتحركات وهم يحملون الجنسية الأمريكية، خوفاً من حنين العرق إلى بلده وقيامه بالتجسس لصالح الوطن الأم أو استغلال اليابان عاطفة وولاء اليابانيين هناك وتجندهم لصالحها في مجريات الحرب.
ومن ثم يجب وضع النازحين والعائدين إلى صفوف الجيش في أماكن معروفة ومحددة بالاسم مع رقابةٍ شديدة لكل التحركات أعمال التواصل الخارجي والداخلي احتياطاً، ورقابة كل أجهزة التواصل المستخدمة لكل من حل مدينة مارب والتحق بالجبهات، بشكل علمي تخصصي ودقيق مع كفالة الموازنة بين الحق الشخصي في حرية التواصل والحركة وحالات الحرب والتهديدات القادمة من قبل الأعداء في كل الظروف.
لأن الأنفس المرضى كثيرة وحالات الفقر غلابه وشخوص الخيانة والغدر لا تحصى، قد يتم الدفع بها من المناطق المسيطر عليها من قبل الانقلابين تحت ستار اللجوء والهروب من الظلم ضمن الهاربين حقيقة من القهر والملاحقة، قد أحدثت الهزائم واغتيال القادة والفاعلين في المعركة وفي قلب المدن، وعليه فقد بات اتخاذ الأعمال الإجرائية والوقائية واجبة الفعل، لأن شكل الدولة ومؤسساتها في مأرب التاريخ لا زالت رمزية وغير فاعلة من حيث المعنى والمبنى وأجهزتها الرقابية لازالت بحاجة إلى تفعيل ودعم مادي وتقني من حيث الكوادر والتدريب ومن حيث الإعداد ووفرة الأجهزة، والاعتماد على الرجال المخلصين من كل أرجاء الوطن دون تمييز لأنهم سيعملون بروح قتاليةٍ عالية وشريحة ولائية واحدة.