الوعي بالذات والوعي المعرفي
الوعي بالذات، هو وعي بالمعرفة أولا وقبل كل شيء، و لا إعادة لترميم الذاكرة، بدون الوعي المعرفي أصلا، ومن ثم ياتي ترميم الذاكرة وفقا لقراءة أكثر وعيا وإدراكا لأفخاخ التاريخ وإشكلياته الكثيرة، فأي قراءة سطحية هي أكثر خطرا على الذات والوعي به، من عدم الوعي بالذات أصلا، فأي قراءة سطحية هي بالضرورة تفخيخ للذات باعتساف بقراءة الماضي على ضوء الحاضر.
العودة للذات وترميم الذاكرة تقتضي قراءة عميقة وأشتغال كبير في مجاهيل التاريخ، حتى لا يجني عليه الجهلة والمشعوذون بقراءاتهم السطحية الإعتسافية التي تقرأ الماضي بعيون اللحظة، وتدمر أكثر مما تبني وترمم.
قراءة التاريخ تحتاج متخصصون في سبر أغوراه، ينطلقون من إيمان بهذا التاريخ وأهمية توظيفه في سياق إستعادة الذاكرة وتسييجها من أي إنحرافات و خرافات وخزعبلات يلتقطها الجهلة من حكايا العجائز وسرديات الذاكرة الشعبية الطفولية التي لا ترقى لتكون مستندا تبنى عليه سردية وطنية قومية أكثر تماسكا وثباتا.
ما أريد قوله هنا، أن إحياء الذاكرة يكون بإعادة قراءة التاريخ وفقا لأحدث تقنيات وطرق البحث العلمي التاريخي، التاريخ الذي يقول لك أين أخطأ الأجداد وأين أصابوا، بكل صدق وتجرد وشجاعة، التاريخ الذي لا يخاطب الغرائز وإنما يخاطب العقل والروح معا.
وبالتالي، الاحتفاء بالرموز التاريخية، بدون معرفة التاريخ قد يكون مشكلة بقدر ما يقدمه البعض على أنه حل، نحن بحاجة اليوم لإعادة قراءة الكثير من السرديات بعين العلم والبحث عن الحقيقة.
لا يعني هذا أن أقلل من حجم هذا الحماس الكبير بالاحتفاء بالماضي ورموزه بالعكس فهذه ظاهرة طبيعية ومهمة وأتت في لحظتها، وصدى لها، كنتاج للواقع الذي نعيشه اليوم، الواقع الذي انفجر فيه كل هذا القبح في وجه اليمنيين، قبح الطائفية وخرافاتها والسلالية وأمراضها، هذا الأمراض التي يجب أن نتيقض جيدا ألا تنتقل إلينا ونحن نستأصلها من جذورها.
فالوعل أو النسر أو الشمس أو أي رمز يذكركم بماضي اليمنيين المجيد، هو جزء من التاريخ وجزء من الذاكرة الجمعية، ولكن أن ننطلق على أنه رمز مقدس لا يمكن المساس به أو التشكيك بسرديته فهذا فهم لا يستقيم مع منطق العلم نفسه. عدا عن ذلك، لا ينبغي أن يكون النقاش حول هذه الأمور نقاش ثوابت من قال برأيه فيه متحررا من سطوة العاطفة والحماس، هو أقرب للمنطق العلم والمنهج وبالتالي على الجميع أن يسمع لما يقوله من رأي مهما كان صادما لنا.
الوعي بالذات يقتضي ترشيد الخطاب الحماسي والعاطفي تجاه التاريخ والنظر للتاريخ من زاوية البحث والتنقيب وليس المسلمات والقداسات، إذا انطلقنا من هذه الزاوية فكل ما نقوم به ونحتفي به سيكون منطقيا ومقبولا لانه مسيج بالعلم والمنهج والعقل والمنطق، لا مجرد الحماس والعاطفة التي تنتهي عند أول إختبار لها أمام العلم والحقيقة
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص