في بداية عام 1083هـ / 1672م وصل إلى المُتوكل إسماعيل بن القاسم بعض مشايخ جبل صبر، شاكين ظلم عاملهم راجح الآنسي، أعرض عنهم، وانتصر للعامل الظالم، ليقوموا فور عودتهم بثورة عارمة، تحدث عنها المُؤرخان يحيى بن الحسين، وعبدالله بن علي الوزير باقتضاب، وصورها الأخير بقوله: «تحزبوا على الخلاف، وساعدهم على ذلك أهل الحجرية الأجلاف، فكفوا يد العامل، وأشرعوا أسنة العوامل، وحذفوا حي على خير العمل من الأذان، وقتلوا من العسكر ثلثه - لعلها ثلاثة - فوجه إليهم الإمام السيد المقدام صالح عقبات، واعتنى محمد بن أحمد بن الحسن في إطفاء شرارهم، وقمع أشرارهم».
سبق لمحمد بن أحمد بن الحسن - الاسم الأشد جورًا في الأحداث الآتية - أنْ تولى أمر الحجرية في العام السابق (1082هـ)، وجعل من قلعة المنصورة (الدملؤة) في الصلو مقرًا له، وعنه قال أبو طالب: «واعتنى مولانا محمد بن أحمد بن الحسن في تسكين تلك الجهات من تلك الحركات، وأوثق من أشرارهم الكثير، وأخذهم أسرى إليه بالزناجير، وعمر حينئذ المنصورة، وحصنها بكلية التحصين للضرورة».
وفي مُنتصف عام 1085هـ / سبتمبر 1674م تمرد سكان الحجرية على ذلك الأمير، قتلوا بعض مُعاونيه، وأحد عبيده، عددهم المُؤرخ يحيى بن الحسين بالعشرة، وذكر منهم النقيب ابن جومر من الأهنوم، ونكلوا بالبعض الآخر، وذلك بأنْ ربطوهم فوق الخيول، وخافت - كما أفاد ذات المُؤرخ - الطريق فيما بين عدن ولحج من التعويق، فلم يَمُرَّها أحد إلا في الجمع الوثيق، فيما ظل حاكم الحجرية في حصنه الحصين خائفًا يترقب.
وفي مطلع العام التالي امتدت أيادي ثوار الحجرية لقتل رسول الإمام - لم يذكر المُؤرخون اسمه - إليهم، ومن معه، وذلك الرسول جاء أصلًا مطالبًا إياهم بديات من قتلوهم، أرسل إليهم المُتوكل إسماعيل بعد ذلك بحشد من العساكر، فتصدى لهم الثور في يفرس، ثم أرسل ولده عليًا حاكم العدين صفر 1086هـ / مايو 1675م.
من جهته الأمير أحمد بن الحسن (والد حاكم الحجرية) لم يقف مكتوف اليدين، أرسل بقوات أخرى بقيادة وزيره صلاح، وعنه قال صاحب (طبق الحلوى): «وابتدر لإطفاء ثائرة خلافهم صفي الإسلام، وعضده على ذلك عسكر الإمام»، فأقعد - كما أفاد أبو طالب - وأقام، وشرَّد بهم من خلفٍ وأمام.
الأمير محمد بن أحمد بن الحسن توجه هو الآخر وفي ذات الوقت من قلعة المنصورة إلى الزريقة، وذلك لكسر شوكة ثوار تلك الجهة، وبعد أربعة أيام من المواجهات خسر الثوار أربعة مُقاتلين، فيما خسر حاكم الحجرية 20 مقاتلًا، وقد انتهت تلك المُواجهات بانسحاب الثوار، ونهب 150 من مواشيهم، وما كانوا لينسحبوا لولا أنْ تبادر إلى مسامعهم وصول التعزيزات الإمامية السابق ذكرها، وهنا قال عنهم أحد من حضروا تلك المواجهات للـمُؤرخ يحيى بن الحسين: «وتميّلوا إلى الصبيحة، إلى أطراف جهات ابن شعفل».
وعلى ذكر المُؤرخ يحيى بن الحسين - أبرز ناقلي تلك الأحداث - فقد كان من أبرز المُعارضين لسياسة المُتوكل إسماعيل التعسفية، وقيل أنَّه لم يبايعه، وأنَّه اعترض عليه لأحكامه الجائرة على غير أهل مذهبه، وأنَّه كان يكتب له مشددًا الوعيد في ذلك، والأكثر أهمية أنَّه أي - ابن الحسين - تحدث في كتابه (بهجة الزمن) بإسهاب عن ظلم عمه الإمام وجبروته في حق أبناء المناطق الوسطى، وغيرهم.
جاء حديث المُؤرخ يحيى بن الحسين عن ثورة أبناء جبل صبر ومن بعدها ثورة أبناء الحجرية مقتضبًا، خاليًا من التفاصيل الشارحة، وهذا باعتقادي يعود لبعده عن أماكن الأحداث، ولعدم سماعه لرواية الطرف الآخر، وفي المُحصلة التراجيدية: صحيح أنَّه لم يصلنا من أخبار تلك الثورات إلا النزر اليسير، إلا أنَّها - أي تلك الأخبار - وضعتنا أمام عناوين لافتة لأحداث مهمة حق لأحفاد أولئك الثوار أنْ يفخروا بها، وعَرَّفتنا - وهو الأهم - أنَّ الخنوع لم يكن صفة تُلازم مُعظم سكان المناطق الوسطى.
* من كتاب (المتاهة.. الحلقات المفقودة للإمامة الزيدية في اليمن)