الموسيقى اللحن والآية القرآنية والموعظة..

بما لا يتعارض مع ما ورد في الشرائع السماوية التي استهدفت بدرجةٍ أساسية شعور الإنسان وعواطفه واستحثته بآياتها وترتيل قراءاتها على المحبة والنفور والحماس والشجاعة والتعاطف برزت اللحون والموسيقى الهادفة كأحد أهم تلك المحفزات في العصر الحديث، فكانت الصحابة تبكي حتى تخضل لحاها تأثراً بها عند الوعد والموعظة والوعيد وتنهض حماساً حتى تهزم أعداءها عندما يتعرض الدين أو العرض والشرف للانتهاك وتنتصر للمظلوم عند انتهاك حقوقه وتنحني شفقةً للمستضعف وتعطي الفقير..
فالإنسان مزيج من المشاعر والوجدانيات كما تحركه الآية القرآنية والحديث الشريف تحركه الصورة الأخاذة واللحن الجميل والقصيدة البديعة، ولا داعي للمخاتلة نخادع أنفسنا ونداري مشاعرنا كما يفعل البعض يخفي نفسه عن الأنظار ويختلي مع زوجته و ذكريات حبه،  كي يستمع لأغنية عاطفية لهذا الفنان أو ذاك كونه رمز اجتماعي أو ديني أو سياسي خوفاً من نعته باللاهي أو عاشق الأغنية فالمشاعر واحدة والأرواح في وظائفها ملائكية وجنود مجندة. ألم يعطِ  الرسول صلى الله عليه وسلم بردته لكعب ابن زهير عندما انشده قصيدة العفو طالباً العفو عنه؟
بَانَتْ سُعادُ فقَلْبِيَ الْيَوْمَ مَتْبُولُ* مُتَيَّمٌ إِثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ 
وما سعادُ غداةَ البَينِ إذْ رحلُوا * إلّا أغنُّ غضيضُ الطّرفِ مكحولُ
هيفاءُ مقبلةً عجزاءُ مدبرةً* لا يُشتكَى قِصرٌ منها ولا طولُ
ولم ينتهره أو يحاسبه أو حتى يعاتبه على الغزل الصريح برمزية عشقه وحبه أمامه وبين يديه، بل عفى عنه وكافأه ببردته وأخلى سبيلة، أما قصص الطرب والفن والموسيقى عند خلفاء الدول الأموية والعباسية لا عد لها ولا إحصاء وهم  إما صحابة رسول الله من بني أمية، أو من بني العباس عم الرسول..فحلاله حلال وحرامه حرام كما أفتى الشيخ يوسف القرضاوي في أحد لقاءاته أي الموسيقى والغناء الذي لا يثير الشهوة ولا يخدش العرض لا باس به البته..


إنها أي الموسيقى لغة الكون كله وإلا لما صدح الكون بها وغردت الطيور بألحانها وغنت عصافير الصباح عند انبلاج البكور ونقشت بخطاها الطواوايس رقصهاً وطرباً إذا سمعت ما يشجيها عند الطرب.. 


 وعلى الصعيد الوطني غنى الفنانون على الآنسي في رؤوس الجبال وشحذ عزائم الرجال بألحانه " في ضل راية ثورتي أعلنت جمهوريتي" ، وكان الفنان أيوب طارش رفيقاً للمسيرات العسكرية الراجلة الهبات الجماهيرية الثائرة، عندما ترتعش أوتاره ويرتفع صوت إيقاعه ويغني ويملأ الآفاق بصوته الفخم ويشدوا.."وهبناك الدم الغالي وهل يغلى عليك دمُ.. يصون شموخك العالي وفجرا حاكه قلم".


وبنشيد الوطن "يا نسيماً عابقاً كالزهر طيب الأنفاس عند السحر يا جلال الحق صوت القدريا وثوب الشعب في سبتمبر اسقني عدلاً وغذي عمري بسلام الثائر المنتصر" حينها تشتد أعصاب المقاتلين وخطاهم في المسير تتسارع وتمتد، وكأن أرواحاً جديده نففخت في أجسادهم المنهكة، وأغنية صبيحة الثورة للفنان محمد مرسد ناجي أنا فدى السلال بكر ينادي من الحسن والبدر حرر بلادي. وغيرهم من الفنانين الحارثي وأحمد المعطري وغيرهم وغيرهم كُثُر.


أما في عصور الحداثة فقد  كشفت  الدراسات العلمية بأن الاستماع إلى الموسيقى يُشعر الفرد بالسعادة والمرح، ويساعده على تنظيم وجدانه وعواطفه، وتساعد على استرخاء الجسم والأعصاب، كما أشارت الدراسات بأن استماع الانسان إلى الموسيقى تُعشقهُ الأشياء وتدفع بالدماغ إلى إطلاق مادة كيميائية تسمى "الدوبامين"، والتي تؤثر بدورها إيجابياً على المزاج والشعور بالانتشاء وتُحفز عواطفه الجياشة إما ثوريةً وحماس أو عواطف حزن وفرح، وينصح كبار أطباء النفس بالاستماع إلى الموسيقى وفقاً لألحانها لأن لديها القدرة على تحسين مزاج المكتئب ومن ثم تنعكس على صحته  وقدراته الجسدية وتكسبه القدرة على التعاطي الإيجابي مع الآخرين..


وعليه من لم يؤثر فيه اللحن الجميل والرسم الجذاب والمنظر الخلاب والقصيدة الفاتنة فهو صخرة صماء  كما قال الفضول في قصيدته التي عناها الغريد عبدالباسط عبسي
 " هاتوا لقلبي كل طل الصباح واسقوا عيوني كل حسن الملاح
 كم ناس عاشوا بغير الهوى أشباح تأوي في صدور الضياح"
 لن يتأثر بالآية القرآنية، بالموعظة ِأو الحديث الشريف صخرةً هو لا روح فيها ولا دموع لها ومن ادعى غير ذلك فهو غاشٌ لنفسه ولغيره..

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص