غدا الأحد ٢ أكتوبر ٢٠١٦، يذهب المواطنون الكولومبيون للتصويت على اتفاقية السلام التي رعتها بشكل رئيسي كوبا بعد عامين من المحادثات السرية وأربع سنوات من المفاوضات الرسمية، وتم من عاصمتها هافانا الإعلان عن التوصل إليها مع إسهام من دول غربية عدة بين الحكومة والمتمردين الكولومبيين بعد أكثر من نصف قرن من الحرب الأهلية التي اجتاحت البلاد.
بدأت الحرب الأهلية في كولومبيا مطلع الستينات بين الحكومة، مسنودة بميليشيات مسلحة ومنظمات إجرامية، وبين المتمردين اليساريين (جماعة القوات المسلحة الثورية الكولومبية FARC وجيش التحرير الوطني ELN) في مسعى للسيطرة على البلاد. تعود جذور الصراع المسلح الدامي إلى ١٩٤٨ حين اغتيل الرئيس الذي كان يحظى بشعبية كبيرة حينها خورخي غايتان وتدخل أمريكي في الستينات داعم للقمع الذي تعرض له الشيوعيون له في الأرياف ما دفع مناصري اليسار الليبرالي والشيوعيين لإعادة تنظيم صفوفهم.
اختلفت أهداف الحرب ففي حين كانت الحكومة تدعي أنها تقاتل من أجل إعادة النظام والاستقرار وحماية حقوق ومصالح المواطنين، كان المتمردون يرفعون شعار القتال من أجل الفقراء وحمايتهم من عنف الحكومة. الميليشيات المسلحة التي كانت تساند الحكومة زعمت أنها تناهض تهديدات المتمردين. المتمردون والميليشيات كانوا متهمين بالإرهاب وتجارة المخدرات، لكن المؤكد أن كل الأطراف بما فيهم الحكومة ارتكبوا العديد من انتهاكات لحقوق الإنسان.
استمرت المفاوضات لسنوات حتى تم التوصل إلى اتفاق سلام وقعت عليه الأطراف مبدئيا في شهر يونيو الماضي وتم الاحتفال في مدينة كارتاخينا في ٢٦ سبتمبر ٢٠١٦ بالتوقيع النهائي واستخدم الرئيس وزعيم المتمردين لهذا الغرض قلمين مصنوعين من خرطوش رصاصات في المعارك وكتب على جانبيهما (صنع الرصاص ماضينا. التعليم يصنع مستقبلنا).
شملت الاتفاقية كل التفاصيل المتعلقة بتنفيذه، بدءا من نزع عشرات الآلاف من الألغام، العدالة الانتقالية، تقديم الحماية لجماعات حقوق الإنسان، وسيبقى التحدي الأكبر في استعادة عمل الدولة في المساحات الواسعة التي كان المتمردون يسيطرون عليها، وقال المفاوض الرئيسي عن المتمردين إن «كولومبيا انتصرت. توقف الموت»، وبموجب الاتفاق سيسلم المتمردون سلاحهم إلى جهاز خاص ستشرف عليه الأمم المتحدة وسينخرطون في العملية السياسية وسيشاركون في مسار العدالة الانتقالية في سبيل اندماجهم في العملية السياسية.
50 عاما قتل فيها عشرات الآلاف من المواطنين الأبرياء، وانتهك خلالها الطرفان حقوق الناس، وتوقفت الحياة الطبيعية، وساد الرعب أركان بلد جميل ممتلئا بالثروات، وبعد كل هذا جلسوا وتباحثوا واتفقوا؛ لأنهم أدركوا أن الحياة في ظل بلد مستقر ومشاركة عادلة هي المسار الطبيعي والخيار الأمثل الذي تستحقه الأجيال. توصلوا إلى هذه النتيجة بعد نزيف ودمار.
يردد العرب «الذكي من اعتبر بغيره». لكن المحزن هو ما قاله الراحل عبدالله القصيمي «إن أطول مسافة في الكون هي المسافة بين كلام العربي وفعله
· نقلا عن عكاظ