حكومة الشرعية.. الصورة تزداد وضوحا

يخطو د. أحمد بن دغر رئيس الحكومة اليمنية بثقة لرسم وتعزيز صورة للشرعية أكثر وضوحا وجاذبية في ذهنية وواقع اليمنيين، منذ معركته لتحرير السيادة المالية ممثلة بنقل البنك المركزي إلى العاصمة عدن، والتي بدأها في يوليو الماضي، حيث استطاع إقناع الشركاء المحليين والضاغطين الدوليين بالتخلي عن بقاء سلطة المال بيد المنقلبين على الشرعية، وفي الطريق إلى الجادة: لابد من دفع رواتب الموظفين دون عراقيل..

 

سيبدو للوهلة الأولى أن احتفال بن دغر وحكومته في عدن بذكرى سبتمبر، رد عملي على ضوضاء التمييز المناطقي وهي ذكرى لتحرير شمال اليمن من حكم الإمامة التي عاودت الآن في صورة مليشيا الحوثي؛ غير أن نقل المركزي اليمني كان "رصاصة الرحمة" لأية دعوات من هذا القبيل وهي بطبيعة الحال دعوات خارج سياق الحالة اليمنية الراهنة وكذا المستقبلية في نظر الكثير من خبراء الشأن اليمني.

 

مما لا يعلمه الكثيرون أن نقل البنك المركزي الذي لم يكن يؤدي وظيفة أكبر من دفع رواتب الموظفين وقليل من اعتمادات الاستيراد والتصدير، جاء بعد اكتمال ترتيب وضع العسكريين (المقاومة والجيش الوطني) المرابطين في كافة الجبهات، وهو ما يعتبر أهم إصلاح اقتصادي تحلم به الحكومة منذ أعلن الرئيس هادي في 2014 رفع الدعم عن المشتقات النفطية متزامنا مع تطبيق نظام البصمة الوظيفية في القطاعين العسكري والمدني.

 

وهذا الثاني هو ما سوف تتم معالجته في حال دفعت الحكومة رواتب شهر سبتمبر وفقا لكشوفات 2013 كخطوة أولى (خاليا من أسماء موظفي ومليشيا الحوثي والمخلوع التي تقدر بعشرات الآلاف، ومثلها الأسماء الوهمية ومزدوجي الوظيفة).

 

واضح بجلاء أن تعيين الفريق محسن نائبا للرئيس كان شوكة الميزان في ترتيب وضع العسكريين في الجبهات والأولوية، بل ووَضَع من بقي من قوات الحرس الجمهوري مواليا للمخلوع -تحت ذريعة الراتب الشهري- في مأزق كبير، إذ ستتولى الحكومة بعد الآن تسليم الرواتب لمن هم تحت رايتها.

 

كما أن زيارات محسن إلى شبوة وحضرموت ثم زيارته إلى شركة صافر التي كانت تضخ 70 بالمائة من الدخل القومي إلى خزينة البلاد، جاءت كلها في سياق رسم الصورة الذهنية والواقعية المشار إليها في بداية هذه المقالة.

 

في السياق أيضا - وهو الأهم - يأتي دعم الرئيس هادي لهذا الوضع الحكومي الجديد وتحركه لرفده بالتأييد الدولي والإقليمي ماديا ومعنويا، في مقدمة عوامل نجاح الحكومة التي تتكئ حاليا على عاصمة غير مستقرة أمنيا واقتصاديا وهذه هي المهمة التالية..

 

فبالأمس وجه رئيس الحكومة بصرف ما يقرب من ستة مليارات ريال لإصلاح وضع الكهرباء ورواتب موظفي مصافي عدن، وفي خطبة الجمعة أكد د. أحمد عطية وزير الأوقاف الجديد على ضرورة الحفاظ على أواصر اللحمة الوطنية والتنوع التاريخي الذي تميزت به عدن عبر التاريخ، وقالت الفنانة قبل ذلك أمل كعدل إنها غنت في احتفال سبتمبر للثورة والوطن من منطلق وطني خالص.

 

في نظري حتى وإن تأخرت الحكومة قليلا في دفع الرواتب فإن السخط الذي سيوجهه المواطنون للحكومة لن يعيد البنك المركزي إلى صنعاء ولن يستفيد منه الحوثيون ومليشيا صالح شيء، غير أنه سيعزز محورية وتمركز الصورة نحو الجهة المخولة بدفع الرواتب أو حتى تلقي السباب والشتائم في حال تأخرها، لأن الأهم هو إعادة تموضع الحكومة في وعي المواطن من جديد، وطمس الصورة الشوهاء طيلة الفترة السابقة، والتي كانت أعناق المواطنين تشرئب نحو صنعاء نهاية كل شهر بانتظار راتب يقتطعه الانقلابيون من الاحتياطي النقدي للبلاد، فيما كان دور الحكومة مقتصرا على تجميع كل إيراداتها لملء خزينة بنك اللجنة الثورية للانقلابيين حتى يتسني للمواطنين استلام الرواتب بأمان..

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص