اجتماعات الكويت: المسار الخاطئ

يجد الكاتب الجاد صعوبة في تناول القضايا المتعلقة بمصير الناس حاضرا ومستقبلا، ويكون من السهل عليه الحديث بكلمات بعيدة عن الواقع والانحياز لفريق والتعسف ضد الآخر، ولكن الأمر سيبدو إطلاقا للأوهام وابتعادا عن الرؤية المتجردة من العواطف وحينها يكون مطالبا بكتابة نصوص أقرب إلى البيانات الحزبية الداعية لحشد أصوات في معركة انتخابية يمكن التنكر لوعودها أو حتى تطبيق عكسها.

كتبت العشرات من المقالات منذ أكثر من ٤ أعوام منتقدا الطريقة التي أدير بها الشأن الداخلي اليمني وخصوصا لقاءات الموفينبيك الشهيرة التي عرفها اليمنيون بـ(مؤتمر الحوار الوطني الشامل) وكذا اعترضت على أسلوب إدارة الدولة خلال تلك الفترة ولم يكن هدفي معارضة الحوار بين اليمنيين كهدف يحقق لهم أمانيهم بعيدا عن الحروب الداخلية التي لا يمكن أن تكون إلا وسيلة دمار لكل مقومات المجتمع الإنسانية، ولن أعود هنا للأسباب التي أوصلتني إلى حالة الإحباط من تلك الفترة والتي أرى أن آثارها المأساوية التي عصفت باليمن منذ ٢١ سبتمبر ٢٠١٤ وحتى يومنا ستظل مخيمة على المشهد الداخلي لعقود طويلة.

يتكرر اليوم ما حدث في الموفينبيك، انقطاع تواصل بين ما يجري في القاعات المغلقة المكيفة وبين رغبات الناس في الشارع وآمالهم فبينما يتصارع ضيوف «قصر بيان» في بحث تفاصيل أبعد ما تكون عن هم الناس والكل يطلق سهام الاتهامات نحو الآخر وليت الأمر توقف عند القضايا السياسية التي تؤرق بالهم خشية ضياع مصلحة ذاتية لكنه امتد إلى التفاوض حول أسرى الطرفين وبدا الأمر كما لو كان تفاوضا حول رعايا دولتين وليس أبناء وطن واحد، وهذا أمر كفيل لوحده لتيقن من غياب الحس الإنساني والأخلاقي في قضية من غير المقبول ولا المعقول أن تكون مجال بحث ومساومة.

لقد تحمل اليمنيون ما يزيد من عام تحت أحلك الظروف وأقساها بينما المسؤولون غائبون عن المشهد يطلقون البيانات غير مكترثين بمشاعر الناس ولا احتياجاتهم الأساسية فسلطة الأمر الواقع بالداخل لا يهمها شـأن المواطن والسلطة الشرعية غائبة عن المشهد لتسرح فيه قوى غير نظامية وغير منضبطة.

إن اليمنيين، أغلب اليمنيين، يتمنون أن يتذكر ضيوف الكويت مسؤولياتهم الأخلاقية أولا وأنها تفرض عليهم بذل جهد إنساني لإيقاف المعاناة التي يمر بها الوطن وأن يعلموا جميعا أن الشعوب قد تتـأخر في تصحيح المسارات الخاطئة ولكنها لا تغفل عن الذين قدموها قربانا لمصالحهم الذاتية.

* كاتب يمني وسفير سابق

عكاظ

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص