هكذا تعز .. يمكن لصوت ايوب أن يصبح سلاحاً فاعلاً ، وكلمات الفضول ذخيرةٍ لا يحدها نفاذ ، ويمكن لشخوص هاشم علي أن تخرج من براويزها وجدرانها وتقف بخيالاتها في وجه أعداء الحياة ، وحتى المشاقر الساكنة في خدود نسائها يمكنها أن تغادر مساكنها وتتحول إلى جبهة شائكة لا يمكن تجاوزها .
هنا .. عندما تداهم الحياة عصابات الموت ، وعندما تحاول قطعان العبيد الغازية نزع حرية الإنسان وتجريده من عزته وكرامته ، يمكن عندها للأطفال أن يشيبون قبل الفجر ، ويمكن للأقدام الحافية أن تقبل أرضها بحب وهي تتجاوز المخالف الصعبة المزروعة بنزق الموت وأحلام الكهوف المعتمة .
احب المدن التي لا تركع للغزاة ، ولا تبرر ذلها وخضوعها بالثقافة والمدنية ، احب تلك التي تعرف متى تلقي القلم لتحمل البندقية وتلقي البندقية لتفتح صدورها العارية للنار ، وأكره المدن التي ترتعش أصابعها فوق زناد القلم وتركع عقولها لعجول البنادق .
هنالك ثقافة تعطيك قوة وثقافة تحولك إلى ذليل ، وهنالك ثقافة تحررك وتجعلك رقماً حقيقياً وثقافة آخرى تستعبدك وتجعلك مجرد رقم هامشي في قطيع .
أتحسس تعز في كلمات الفضول والفتيح وعبدالله سلام ناجي والصريمي وذي يزن وأحمد الجابري وعثمان أبو ماهر ، واسمع صوتها في أغاني أيوب طارش وعبدالباسط وعبداللطيف يعقوب والشميري والصبري ، وأحس بدفء شخوصها في قصص محمد عبدالولي والجرموزي ، وألامس شخوصها مجسدة في اللوحات البصرية لهاشم علي ، وأعتز بقوة بندقيتها في قبضة عبدالرقيب وعبود والزكري والوحش ، وأتشرف بعباقرة قادتها السياسين والثورين والثائرين الشباب .
هذه هي تعز الأغنية والنص الشعري والبصري والبندقية والرؤوس المشحونة بالفكر والثورة والنضال الوطني ، وهي أيضاً الموال الذي تعزفه أقدام الصبايا والرعاة والشقات ، وتفوح بسره مشاقر الأزاب والكاذي والرياحين العاشقة .