كان الكاتب المصري الكبير فرج فوده شهيد الانفتاح والتسامح والحوار المتمدن (عليه رحمة الله) يقول: أول ما أعمله صباح كل يوم هو أنني أقرأ الصحف المعادية لي فإن لم أقرأ شتيمة أو اتهام لي على أحداها فإنني أراجع سلوكي لليوم السابق: أين أخطأت؟ ماذا فعلت ليرضى عني هؤلاء الساخطون الملفقون السطحيون والمتعصبون؟ ولا أشعر بأنني على صواب إلا عندما أقرأ لأحد هؤلاء ما يعبر عن سخطه وتهديده ووعيده وهيستريائه فهذا يشعرني بأنني ما زلت أسير في الطريق الصحيح.
تذكرت هذه المقولة وأنا أقرأ خبرين في موقعين من تلك المواقع المشتبه في توجهاتها وولاءاتها، ويقول الخبران أن الحراك الجنوبي يساهم في الإعداد لخطة إعادة غزو المليشيات الموالية لإيران للجنوب تحت زعم "مواجهة العدوان" كما يقول القائمون على الموقعين نقلا عن مصادر في ما يسمى بـ"اللجنة الثورية" ومن يسميانهم بـ"ممثلي الحراك الجنوبي".
لكن متابعة الخبر والبحث عن الأسماء والتفاصيل التي يتناولها يكتشف المرء أن أصحاب تلك الأسماء هم من الشخصيات المغمورة التي تظهر أسما بعضها لأول مرة، ومن بينها شخصيات وزراء في حكومة الانقلابيين المعينة مؤخرا، وكل ما يجمع هؤلاء بالحراك الجنوبي هو أنهم جنوبيون.
أصحاب المواقع المشبوهة هذه يتعمدون البحث عن أي حديث لأي شخصية تافهة من أصول جنوبية ليعتبروا صاحبها هو الحراك الجنوبي، في سلوك مقصود لا يهدف إلا إلى تشويه ظاهرة تاريخية هي ظاهرة الحراك السلمي التي يجدر بمن يدعي رفضه للانقلاب والعدوان أن يتعلم منها أبجديات النضال والمواجهة السلمية والمقاومة المسلحة ورفض الاستبداد وإباء الضيم والذود عن الحق والحرية وكرامة الإنسانية بدلا من اصطناع الأخبار المزيفة وفبركة الأحداث الملفقة لتشويه هذه الظاهرة ومحاولة الحط من سمعتها لدى جماهيرها الممتدة في كل محافظات ومديريات وقرى ومدن وارياف الجنوب.
رغم كل ملاحظاتنا على بعض مكونات الحراك الجنوبي سيظل كل المنصفين يقرون بأن الحراك الجنوبي وثورته السلمية يمثلان حالة فريدة قلما يجود الزمان بمثلها، فحينما كان هؤلاء الذين يتهمون الحراك الجنوبي بـ"العمالة لإيران" و"تسويق المشروع الفارسي" يتصدون لكل من يذكر "الطاغية عفاش" بشر ويعتبرون الطاغية اسما مقدسا، كان الحراك الجنوبي يتحدى كل أدوات القمع العفاشية ويواجهها بالعمل السلمي المدني المنظم ويلحق بها الهزائم الواحدة تلو الأخرى، بينما كان هؤلاء ما يزالون يتغذون على فتات موائد الطاغية ويصطفون معه ضد كل عمل شعبي وطني يعري سياساته العنصرية والتمييزية واتجاهات توريث السلطة والعبث بالثروة وبالوطن وبكل المعاني النبيلة للأرض والإنسان، وعندما حان وقت المواجهة المسلحة جاءت المقاومة الجنوبية المسلحة كمولود شرعي للحراك الجنوبي الذي كان قد تخلق وتبلور ونما حتى اصبح جاهزا لمواجهة الجيش والمليشيات وإلحاق الهزيمة بهما باقل الإمكانيات لكن بقوة العزيمة وعمق الإرادة والاستعداد لمواجهة كل المخاطر في سبيل انتصار الحق وهزيمة العدوان.
اصطناع التلفيقات وفبركة الأحداث وتوزيع التسريبات التي تستهدف الحراك الجنوبي من قبل الغزاة القدامى ـ الجدد واستدعاء حوادث تافهة لأسماء أتفه لنسبها إلى الحراك الجنوبي كل هذا يبين أن الحراك ما يزال كبيرا وما يزال يمثل مصدر قلق مزعج لدى هؤلاء لما يمثله من رفض لنتائج العدوان القديم والجديد ومن التفاف شعبي جماهيري يصعب كسره رغم محاولات حرف مساره وتفكيك مكوناته ومواجهتها ببعضها.