يكاد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن يترك أثرا إيجابيا لدى الملايين من سكان منطقتنا الذين تسببت سياسة الرئيس أوباما الخارجية في قهرهم وإحباطهم في أكثر من دولة عربية، وبؤرة صراع تتقاطع فيها الإرادات الدولية والإقليمية.
أقول ذلك ولعل معي الكثيرون بعد أن استمعنا إلى خطاب الوداع الذي كرسه كيري لتبرير امتناع إدارته عن التصويت بالرفض ضد قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين.
ومع ذلك أبقى هذا الوزير على شيء من الغصة لدى اليمنيين، بسب إصراره الغريب على منح المكافأة لعصابة انقلابية تصرفت ضد منطق السلام، وأجهظت واحدة من أفضل عمليات الانتقال السياسي في دول الربيع العربي.
سياسة كيري حيال الأزمة اليمنية محكومة بالتأكيد بتصورات مغلوطة بشأن الكيفية التي يتعين ان نواجه بها ظاهرة الإرهاب في اليمن، خصوصا بعد أن بالغ صانع القرار الأمريكي في تقدير حجم الظاهرة الإرهابية إلى حد اعتبر معه اليمن ثاني أهم ملاذ للقاعدة بعد أفغانستان.
لم يكن هناك أكثر كفاءة في استئصال الإرهاب من ترسيخ أسس الدولة الديمقراطية في اليمن بعد تجاوز عهد المخلوع صالح الذي تعلم أمريكا قبل غيرها أنه استخدم ورقة القاعدة لإطالة أمد حكمه، وتثبيت دوره كشريك(مراوغ)مهم في مكافحة الإرهاب في المنطقة.
كان الأمر صادما للملايين من اليمنيين جراء تورط الولايات المتحدة في مهمة تمكين الحوثيين من الدولة اليمنية، عبر تغيير مهمة المبعوث الأممي جمال بن عمر من تسيير حوار الحوار والمصالحة المفضيين للانتقال السياسي، إلى تكبيل إرادة القوى السياسية عبر فرض الحوثيين على الدولة بقوة السلاح.
تدخل التحالف العربي وأفسد خطط الانقلابيين، وغير مجرى الأحداث لصالح بقاء مشروع الانتقال السياسي إلى مرحلة الدولة الاتحادية.
لكن تدخل التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، والذي كان مفاجئا لواشنطن، لم يمنع هذه الأخيرة من امتصاص التأثير الهائل لهذا التدخل عبر الضغط على التحالف ووضع الخطوط الحمراء أمامه وأهمها ما يتعلق باستعادة صنعاء، والحرص على بقاء مؤسسات الدولة النقدية والخدمية ومهمة الاشراف على الجهازين الاداري والعسكري بيد الانقلابيين.
دفع وزير الخارجية الأمريكي الحكومة والمتمردين إلى ثلاث جولات مشاورات بلا أي إطار أو رؤية وقد أريد منها على ما يبدو فرض الحل السياسي دون سواه، وتكييف هذا الحل ليستوعب كامل أهداف الانقلابيين.
ومع فشل جولات المشاورات، ارتأ الوزير كيري أن الأمر يمكن أن ينجز بالضربة القاضية، عبر اعادة تحديد أطراف الصراع ليصبح التحالف العربي طرفا خارجيا والحوثيون طرفا داخليا يمثل اليمن، وإخراج السلطة الشرعية من المعادلة السياسية.
لم يحتمل الرئيس هادي هذا الموقف الخطير من جانب واشنطن والذي كان قد جاء في مراحله الأولى في صورة تفاهمات من جانب وزراء الرباعية.
بعد اللقاء الشهير للوزير كيري مع ممثلين عن المتمردين الحوثيين في مسقط قبل أكثر من شهر، والذي صدر عنه مبادرة صادمة للشرعية، خالف الوزير التوقعات وعاد إلى الرياض وعقد اجتماعا للرباعية بحضور وزير الشئون الخارجية العماني، وبدا واضحا ان كيري مصر على إمضاء خطة الأمم المتحدة.
لكن زيارة كيري لم تضف شيئا سوى أنها كرست الإحباط لدى فريق الشرعية والتحالف، فعاد الرئيس وحكومته إلى اليمن، وقبل يومين وجه الرئيس هادي أقوى انتقاد للوزير كيري، وتزامن ذلك مع تجدد المواجهات في نهم وتقدم للجيش والمقاومة وهو ما يعني ان الحكومة والتحالف يصطدمون مع الخطوط الحمر الامريكية.
لكن حتى اللحظة لا يتوفر يقين بشأن ما إذا كان التحالف والحكومة الشرعية بصدد خوض معركة حسم عسكري للأزمة اليمنية، بالاستفادة من المرحلة الضبابية التي تغشى السياسة الأمريكية في مرحلة انتقال السلطة التي تنتهي في 20 يناير المقبل.
والثابت ان الرئيس هادي أكثر من أي وقت مضى يعتزم الحسم ولكن لن يتحقق ذلك بدون اتساق هذه الإرادة مع إرادة التحالف.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.