*إهداء: إلى القائد عدنان الحمادي وصناع مسيرة الحياة وكل التواقين ليمن خال من جحيم البرابرة والمغول الجدد.
كأنه ما جاء للحياة إلا ليكون من حواري أنصار الكرامة والحرية.
كأنه ما خلق إلا ليكون فارسا من فرسان ثنائية التثوير والتغيير.
كأنه ما وجد إلا ليكون من فريق الثوريين الذين لا يعيشون إلا تحت ظلال النضال ولا يموتون إلا شهداء تتويجا لمسيرة كفاحهم الشاق.
كأنه ما ولد إلا ليعيش حليما بالحياة ويموت شهيدا بساحات الوغى وساعات التوثب لتحقيق الحلم المهدد بالزوال.
ماذا عسى كاتب بسيط مثلي أن يجترح من كلمات تفي بحق شهيد صرف عمره من أجل حياة شعب ووطن يعيشان الحياة وفق شروط العيش الطبيعية؟
نعم ... ماذا عسى اليراع أن يدون من عبق ذكرى الشهيد عبد الحليم الأصبحي الذي غادرنا يوم 20 أبريل 2015 في فرزة الحديدة بتعز نظير مهمة لم يستطع غيره القيام بها فارتئ المجرمون أنه يعيق تقدمهم ويجب التخلص منه سريعا؟.
من أين ألج يا صديقي إلى تقليب صفحات إنجيلك النضالي الكبير لقراءة ما تيسر لي من أسفار كفاحك التي تكاد تنسى ضمن من نسيت مأثرهم الكثيرة الكبيرة لكثرة طوابير الشهداء التي سيقت كقرابين في مذابح مذهب سيد الخراب وزعيم عصابة الذباب؟
ومع ذلك سأغامر... نعم سأغامر في الكتابة عنك حتى إن أتت العبارة دون حقك... بل هي في الواقع وتلك حقيقة لا تدنو حتى من ملامسة أقل ما تستحق.
حتى يوم أمس 20 أبريل يكون قد اكتمل عامان على استشهاد الدكتور عبد الحليم الأصبحي. ا
ستشهد في ساعات تعد من أصعب وأخطر اللحظات عبر تاريخ اليمن كله. يومها كانت اليمن قد دخلت مضيقا معتما... كان كل شيء يكتنفه الظلام.... دولة تهاوت في قبضة عصابة مرتدة عن الثورة والوحدة وبناء دولة اليمن الاتحادية الحديثة.
عصابة مسنودة بمليشيات بربرية متوحشة خرجت من رحم كهوف ومغارات التاريخ الرجعي البليد فإذا بنا أمام عملية جرف خبيثة ليس فحسب جرف تأريخ الحركة الوطنية في جنوب وشمال الوطن أو جرف سبعة عقود من نضال وكفاح شعبنا اليمني وإنما عملية لجرف الماضي والحاضر والمستقبل. حينها كانت فلول الانقلابيين قد توجهت إلى رداع والضالع وتعوث قتلا وخرابا في عدن وتحاول أن تجعل من مدينة تعز وأريافها غرفة عمليات لقيادة معاركها ومعبرا لاجتياح بقية محافظات الجنوب. وحتى مطلع أبريل 2015 لم تكن قد تشكلت أية مقاومة شعبية بمحافظة تعز وحده اللواء 35 مدرع _ بست مائة ونيف من الأفراد الجنود وثلة قليلة من الرتب العسكرية الكبيرة يتقدمها العميد الركن عدنان الحمادي المعين من قبل السلطة الشرعية قائدا للواء 35 _ الذي كان سطر على مدى 18 يوما في سجلات المجد والخلود بطولات في الولاء الوطني والحفاظ على بقايا شرف الانتماء للمؤسسة العسكرية في شجاعة وصمود اسطوريين.
وفي حين كان العقيد محمد عبد الله العوني ثاني الإثنين بعد الأول العميد الركن عدنان الحمادي يجيب على سؤال الحمادي: ما رأيك يا أخي نحن من أبناء تعز؟...
سنفدي تعز بأرواحنا، ولا يمكن أن نسمح للمليشيات الانقلابية أن تطئها، وسنكون أول من يواجهها...
نعم كان في هذا الوقت أيضا خارج مقر قيادة معسكر المطار القديم كثيرين يتقدون للمشاركة القليل منهم من توفرت له فرصة نيل شرف الذود عن اللواء الذي صار محط أنظار اليمنيين وشرفاء العرب والعالم المتجهة أنظارهم إلى اليمن وتحديدا إلى تعز وعلى نحو أخص إلى اللواء 35 مدرع الذي أعلن جزء من أفراده بصوت مدوي وقوفهم إلى صف الشرعية ورفض الانقلاب عليها.
أقصد بالقلة هنا من ذكرهم قائد اللواء في حواره مع الاشتراكي نت حيث قال"" كنا بحدود 600 فرد 200 أو 300 تعزيز من جبل حبشي والمسراخ والحجرية هم الذين قاتلوا مع اللواء قمت بتسليحهم من اللواء ووزعت لهم أسلحة كانت مخزنة في اللواء عبارة عن 600 بندقية آلي 120 جيتري وزعتها على المقاومة الذين كانوا حول اللوا ممن كان يدفع بهم الوطنيين المدنيين والعسكريين فانضموا إلى اللواء للدفاع عن تعز"".. انتهى.
وإلى جانب أولئك الذين أشار إليهم القائد الحمادي كان هناك أخرين غير مرئيين يقاتلون بطريقتهم التي قد تكون أكثر خطورة ممن يقفون داخل خنادق القتال ومنهم الصديق الشهيد عبد الحليم الأصبحي رئيس اللجنة الطبية لأعظم مسيرة شهدها تاريخ النضال الإنساني قاطبة هي مسيرة الحياة.
يستحيل أن أسرد قصة كفاح الشهيد فقد كانت سيرته كلها نضال سواء في حياته المعيشية أو الدراسية أو الوظيفية أو حياته الوطنية ولهذا أوجز فقط بإيراد زخات متناثرة من يومه الأخير.
لم يكن الاصبحي الذي يعمل لدى هيئة مستشفى الثورة _تعز يقوم فقط بواجبه الإنساني في إسعاف الجرحى من المطار القديم إلى المستشفيات بل تجاوز عمله ذلك إلى ما قاله أحد الجنود الذين شاركوا بمعركة الصمود الأسطوري للواء 35 هو (مروان البرح من مديرية القفر بمحافظة إب) قال كان يجلب لنا حليب يماني وبسكويت زبده أبو ولد.. وماءبلادي وشملان.
إذاً هي شهادة تدل على مدى الفدائية والبسالة والمغامرة والشجاعة وهي صفات تجسدت في شخصيته ومثلت جزء من كارزميته الخاصة.
وليس أوجز في هذا السياق من حديث القائد الحمادي للاشتراكي نت عن الحالة التي عاشها هو وبقية من صمد معه أثناء الحصار حيت قال( هاجمنا العدو بقوات كبيرة جداَ تتكون من اللواء 22 حرس جمهوري وقوات الامن الخاصة ومجموعات من الشرطة العسكرية ومجموعات من اللواء 17 الذي انسحب من باب المندب بالأضافة إلى الحوثيين العقائديين الذين جاءوا من صعدة والمتحوثين من ابناء تعز خاصة من أبناء حارة المطار مثل القرشي بقيادته مجموعة من بني الصوفي وعيال جبران والكثير ايضاَ كان هناك اثنين من عمران يسكنون في مدينة النور كانوا معدين عتاد كبير ومع ذلك كنا نقاتل قتالا شرسا وصمدنا وقطعت الطرق عن اللواء تحاصرنا من تاريخ 12 / 4 / 2015م لم يستطع احد كسر الحصار حتى سقوط اللواء) ويضيف (الذي استطاع ان يخترق الحصار كان واحد معه سيارة اسعاف يوصل الغذاء والماء من قبل الزملاء في الجانب المدني اسمه الدكتور عبد الحليم الاصبحي كان يجيب لنا الماء والأكل في سيارة الاسعاف وقتله الحوثيين في فرزة الحديدة انتقاماَ لأنه قدم لنا الغذاء والمساعدة).
قال مروان البرح ( صحيح أنني لم أكن أعرفه من قبل لكن من المستحيل أنساه فبعد أن أوصل لنا الماء والعصائر والبسكويت كان قد خرج وامتطى سيارة الإسعاف تقريبا الساعة الثانية بعد الظهر وما أن انطلقت السيارة مسافة حتى انعطفت فجأة عائدة ونزل منها الأصبحي ودخل إلى مكتب السيطرة حيث كان يتواجد القائد الحمادي ومعه عبد العالم السبئ وقال لهم وهو يبتسم : الله يعلم من يحيا ومن يموت أريد صورة للذكرى مع القائد).
ويضيف تناول قطعة سلاح جيتري وحملها بطريقة تنم عن أنه سبق وأن أدى خدمة الدفاع الوطني _ هذا صحيح حيث تجند عام 1989 أثر تخرجه من المعهد الفني تكييف وتبريد وقبل أن يدرس التمريض بجامعة بتعز لاحقا_ أخذ صورة مع الحمادي والسبئي...
وقبل أن يغادرنا وهو يبتسم أعطيته مبلغا بسيطا يشتري به قات لي عند عودته فقال: سأعود بعد العصر وأما إذا لم أعود واستشهدت فأرجوا السماح...وقلت له يا أخي مسامح لكن إن شاء الله لن يصيبك شيء...
وما هي إلا نصف ساعة تقريبا حتى جاءنا الخبر بأنه قد استشهد) انتهى حديث البرح. بينا كان عبد الحليم قد نزل واشترى القات من عند فرزة الحديدة هناك أقدم قناص من محترفي القتل والإجرام من "مليشيات عفاش والحوثي" التي فقدت كل إحساس بالإنسانية ...
مليشيات لا تشبع غريزتها البربرية المتوحشة إلا بالقنص الجبان بدم بارد حيث قُنِص الدكتور عبد الحليم الأصبحي الذي فارق الحياة مباشرة وبجانبه سائق سيارة الاسعاف جمال القدسي الذي أسعف إلى المستشفى وقد نجا .
اخيرا... ستظل ابتسامة حليم ذات النقاء الفاقع تومض في ذاكرتي عصية على النسيان. ثمة فلسفة لا يستطيع محلل نفسي ظليع العلم كشف كنهها فلسفة خاصة لايفقهها إلا من كان من طراز عبد الحليم الأصبحي.
لأنها فلسفة ثورية متمردة على الظلم والظلام فلسفة تواقة للحياة بشروطها البسيطة. عاش عبد الحليم يصارع عبس الوجود وعبث الحياة يكتب بمرايا الروح على صفحات الأمل أسطورة عنوانها الحياة.
عاش كما قال عنه الأديب الشاعر والصحفي ياسين الزكري (يحلم بحدائق أمل تباعد ما بين الاصبع والزناد ويهل بلسما يخفف أوجاع المرضى ..نزيف الجرحى ..وأنين المصابين... يحمل روحه على كفه ... يخترق حاجز النار لإنقاذ الحياة كلما أصاب سعار الجريمة حُطاب الموت في وطن ينام على البارود ويصحو على الزناد... يعيش هم الوطن والناس.. يهتف للجمال والسلم الاجتماعي ..ويتشرب أغاني الطيبين.... يعمل في سبيل رد الاعتبار لإنسانية الانسان ويسكنه ضمير لا يكل ولاينام... يرسم بريشة الحب مكانته في القلوب وينقش في ذاكرة الناس ..ذاكرة الصخر والحصى والشجر صوته الدافئ ومنطقه الحليم ليرتقي كملاك رحمة شهيداً ترف به أجنحة الملائكة إلى عليين... وفي كل حين يعاود الاشراق عناقيد ضوء في أنفاس الصباحات ألقاً وفي أسارير الطفولة عطراً وفي أنفاس الورد مطراً ربيعياً).
وداعا ياشقيق مسيرة الحياة.... وأستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه وأسأله أن ينزلك في مدارج الانبياء والشهداء والصديقين. .........
*المقال حصريا للمستقبل اونلاين يرجى الاشارة الى المصدر في حال اعادة النشر