تفاجئت الليلة بأن هنالك من لا يزال يتعاطى مع بعض القضايا الفارقة في الحقبة النبوية بطرق سمجة ساذجة عقيمة الوعي والمعرفة في محاولة يائسة بائسة لحرف الوعي عن التفكير في مشكلية اللحظة التاريخية التي تعصف بشعوبنا العربية.
تفاجئت بفتح ببعض أشخاص النقاش _ لا علاقة لهم بالفكر والتفكير ولا بالبحث والكتابة والتأليف بأي مجال من مجالات الدراسات الانثربولوجية والفلسفية وكافة أشكال الكتابة المختلفة _ النقاش حول حادثة الإسراء وال
معراج بطرق تنم ليس عن جهل مدقع بالدين فقط بل وكل أقسام المعرفة وأنساق الثقافة وموروثها البشري الضخم. لهؤلاء الباحثين عن الشهرة على حساب الدين لاسيما على حساب عقيدتنا الاسلامية أقول (حد علمي لم أجد أكبر عالم من بينهم إنشتاين حتى إن كان غير معترف بالأديان يحتقر عقيدة من العقائد أو يكذب بمعجزات نبي من الانبياء ويسخر منها).
لا أستطيع تشخيص ما نوع المرض الطفولي الذي يدفع البعض إلى التطاول على معتقدات الأمم والإساءة إليها؟ الليلة يتبجح بعض المتثيقفين المهرطقين على حادثة الاسراء والمعراج وفي سياق تناوله تجده وقد قفز إلى الدعوة الوهابية التي لا علاقة لها بالحادثة إلا من باب أن الحادثة معجزة من معجزات الرسول (ص) ويجب التسليم بها كمعجزة وقعت دون ريب وشك في وقوعها ...
وهو تناول يعبر عن خبث قديم فشل جديد سيفشل بما ينم عن طبيعة الجهة المستفيدة وهدفها من هكذا تشكيك في الوعي الجمعي.
لهؤلاء المرضى والجهلاء المتطاولين على معتقداتنا أقول: أقول إن ما تظنونه جرأة وشجاعة في مثل هكذا نباح عقيم ليس كذلك أي ليس ثمة شجاعة وجرأة بل سخافة وغبأ فاقعين.
لماذا؟ لأننا سبق وأن خضنا مطارحات في عقدي الثمانينيات والتسعينيات من هذا القبيل وسبق أن خاض غيرنا ممن كان أكبر منا علما وفلسفة على مدى قرون وقرون مجادلات فلسفية وفكرية وحتى الدراسات العلمية حسمت مثل هذه المسائل بأن خلصت في مجملها إلى الاعتراف بالأديان واعتبارها محطة من محطات التاريخ البشري الثابت غير القابل للنقض.
لهؤلاء أقول إن جل أدبيات ونصوص وثائق الأمم المتحدة بكافة مجالاتها المتعددة من وثيقة حقوق الإنسان إلى الحقوق الثقافية والاجتماعية ..... وكافة المواثيق الدولية تضمنت الإعتراف بالأديان السماوية حتى تلك التي غير مؤكدة دينها كالبهائية وغيرها. أفأنتم أيها المهرطقين كي نصدقم أعلم من منظمة الأمم المتحدة بصرف البصر عن اختلافنا عن مواقفها السلبية من كثير قضايا دولية؟ مالكم كيف تفهمون؟
لهؤلاء أقول: أأنتم أكثر وعي من أولئك الذين كتبوا على الدولار الأمريكي (In God We Trust) نؤمن بالله أو بترجمة أخرى نثق بالله... مالكم كيف تحكمون؟
ولمزيد من التوضيح أود في هذا الصدد الاستدلال بمدى احترام دولة علمانية كالولايات المتحدة الأمريكية لتلك العبارة التي رفضت مسحها من على الدولار فأضيف: تتضمّن جميع القطع المعدنيّة والأوراق النقدية للدولار بمختلف فئاتها شعارا مكتوبا عليه باللّغة الأنجليزيّة "In God We Trust" ومعناه حرفيّا باللّغة العربيّة: "بالله نؤمن" أو "باللّه نثق".
هذا الشعار مكتوب بالعملات الأمريكيّة الصّادرة منذ سنة 1864 حتى اليوم بمقتضى قرار صادر سنة 1782.
ونظراً لانتشار هذا الشعار لمئات السنين على أكثر الأوراق تداولا يوميّا بين الناس في أمريكا فقد تم بحلول عام 1956 إعلانه كشعار وطني صادر عن الكونغرس نص على : "في الوقت الحاضر لا تمتلك الولايات المتحدة شعارًا وطنيًا ورأت اللّجنة أنّه من الأنسب أن يكون "بالله نؤمن" الشعار الرسمي للولايات المتّحدة".
تلى ذلك قيام بعض الجمعيّات العلمانيّة والملحدة برفع قضايا لدى المحاكم لحذف العبارة غير أنّ القضاء الأمريكي وهو من هو في شهرته العالمية استمر يرفض كل دعاوى حذف الجملة خاصة بعد سنة 2003 إذ تم إجراء إستطلاع كبير لرأي الأميركيّين للعبارة جاءت نتيجته أنّ 90 % منهم يتقبّلونها بينما رفضها 3 % فقط، ولم يكن لنسبة 7 بالمائة أيّ رأي في الموضوع.
وفي عهد الرئيس السابق باراك أوباما تكرر طلب حذف العبارة مرتان الأولى في عام 2011 رفعت قضيّة كبرى أمام المحاكم فرفضها القضاء والمرة الثانية رفعت على نحو أكبر قضية بمدينة نيويورك في مارس 2013 حيث تقدمت أكبر منظّمة للملحدين في الولايات المتّحدة بدعم من 19 مركزا وجمعية للملحدين والمؤيّدين ضدّ وزارة الخزانة الأميركية، طالبين حذف تلك العبارة من العملات الأمريكيّة لأنّها لا تمثّل كلّ الأمريكيّين بمن فيهم غير المؤمنين أو غير الموحّدين أو الملحدين ورفض القضاء الأمريكي الدعوى.
أردت من هذا الاستدلال الذي يكشف مدى احترام دولة علمانية تعد اليوم سيدة العالم لمعتقدات كل الأمريكيين كون عبارة "نؤمن أو نثق بالله" ليست حكرا للمسيحية ولا لليهود ولا للمسلمين ولا غيرهم وإنما هي عبارة لكل مؤمن بالله على وجه الأرض.
نعم ... لقد أردت من وبعد سرد هذا الاستدلال _ بغض النظر عن قبولنا أو رفضنا لمكاييل السياسة الأمريكية مع شعوب العالم _ أن أتساءل كم يغدو سذجا وجهلاء الذين لا يحترمون المعتقدات الدينية وما يتصل بها من محتويات ومضامين تمثل اشتراطات للإيمان أو اللإيمان بها.
إن الحديث حول هذا الموضوع واسع جدا ... وفيه الكثير من الأدلة والشواهد الموثقة بمؤلفات ضخمة صدرت من كبريات الجامعات الغربية وصاىة مراجعا معتمدة منذ بداية عصر النهضة الغربية حتى اليوم تنصف المعتقدات الدينية وفي مقدمتها عقيدة وشريعة الإسلام.
يكفي أن أشير إلى أخر تلك الدراسات الضخمة الجديرة بالإحترام والتقدير ألا وهي دراسة للمفكر والفيلسوف الغربي الأميركي وول ديورنت التي استغرقت منه وزوجته خمسون عاما امتدت من الثلاثينيات حتى الثمانينيات من القرن المنصرم وصدرت بعنوان(قصة الحضارة) دراسة تناولت التطورات التي مرت بها الحضارات الإنسانية وخصص حيزا كبيرا للحضارة الإسلامية أنصف فيها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أيما إنصاف.
أأصدق فيلسوفا واستاذا في إحدى أعظم جامعات العالم صرف نصف قرن من البحث والتأليف واعترف بنبوة نبي الإسلام أم أصدق متثيقفين لا يعرفون يغسلون أدبارهم من الفضلات؟
أأصدق عشرات العلماء العِظام وهم يخلعون ويرفعون قبعاتهم إجلالا وتقديرا لعظمة محمد إبن عبدالله ويصفونه بأعظم العظماء أم الجهلاء الاغبياء الذين ظهروا الليلة ينهقون بأن حادثة الإسراء والمعراج ليست معجزة وإنما كذبة من كذبات محمد؟
لهؤلاء أقول... نعم قد نختلف مع من يدعي الوصاية أو الولاية على ديننا الإسلامي لكننا لن ننكر جوهر الإسلام ومعجزاته ومضامينه السمحة والعظيمة لمجرد اختلافنا مع من يريدون احتكار فهمه وشرحه ونشره.
قبل الأخير... إن من لا يحترم المعتقدات لن يحترم الأيديولوجيات والعلم والحياة لأن لا حياة دون دين وفكر وعلم .
ثلاثية قد تتباين لكنها لا تتصادم في مضامينها إلا عند من لا يفهم طبيعة تكاملها. في ذكرى حادثة الإسراء والمعراج لا أجد أفضل من التحيات والصلوات والسلام على عظيم عظماء التاريخ البشري محمد صلى الله عليه وسلم.