ذا كان للمسلمين في ثقافتهم الدينية مصطلح "الجهاد"، وهو الميكانيزم الفاعل في الدفع بالفرد المسلم إلى صفوف القتال، لينعم بما يمكن أن تقدمه الحياة الآخرة من ملذّات جاء وصفها في القرآن بأنها لم تخطر على بشر، فإن مصطلح "الحَيرم" هو المصطلح المقابل في الثقافة الدينية اليهودية لمصطلح "الجهاد".
المصطلح أي "الحيرم" يشير إلى الحرب المقدسة التي ستخوضها إسرائيل لاستعادة الأراضي المقدسة.. يضيف التوراة كشرح لازم لهذه المفردة/ هي القضاء على جميع الكنعانيين وأملاكهم.
ينظر الإنسان إلى نظيره المتمثل في "الآخر" نظرة عداء مطلق.. هناك ثقافة دينية واجتماعية تغذي اجتثاث الآخر، وتؤسس لعالم خالٍ من "الآخر".. في الثقافة الإسلامية تتحدد المدة الزمنية لهذا الجهاد بـ"حتى يرث الله الأرض ومن عليها"، وغايتها هي إعلاء كلمة الله.
وحسب الكاتبة الألمانية التي هي من أصول يهودية أوللا بير كيفيج؛ فإن موقف التيارات الإسلامية في الخمسينيات والستينيات الرافض لمفهوم العولمة، يؤسس لعالمٍ خال من التقارب، التحول الكبير من مصطلح حوار الحضارات إلى صراع الحضارات.
مصطلحا "الجهاد والحيرم" لا يمكن تحديد معناهما كمعنيين قائمين بذاتهما.. المجال الحيوي للجهاد هو قتال اليهود والنصارى، كما أن المجال الحيوي لكلمة "حَيرم" هو قتال الكنعانيين.. المجال الذي يمكن فيه لليهودي أن يقترب أكثر من الله، هو إراقة دماء الكنعانيين، وبالنسبة إلى المسلم فالمجال الحيوي هو إراقة دم الآخر المختلف دينيا حسب التراث الديني القديم على الأقل.. هذه محاولة تلقي نظرة على الإرهاب.. الممارسات التي أقضّت مضجع العالم.
الأصولية ليست حكرا على الدين الإسلامي.. كل الأديان تغذي أتباعها على قتال الآخر، وكل الثقافات الدينية تحمل داخلها بذورا كافية لإقلاق العالم، لإنتاج ملايين الأيتام، لرسم لوحة الدموع التائهة لعقود طويلة.. العالم الذي يصفنا بالأصولية يهنأ اليوم في عيشه دون أن تثيره المأساة الإنسانية التي تحدث اليوم في بلدان عديدة.. العنف السياسي هو الوجه الآخر للأصوليات المبثوثة في الثقافات الدينية، ومفهوم الحضارة لا يتعدى الحدود المحلية للغرب، إذا ما تحدثنا عن التوجه السياسي خصوصا.
بعد استعراض نماذج عدة متفرقة لنشوء الأصولية الدينية منذ تواريخ موغلة في القدم.. دونت الكاتبة بير كيفيج أن التطرف نزعة إنسانية وفطرية.. كانت بذلك تحاول أن تُعيد التطرف إلى جذوره الأولى، إلى منابعه الخصبة، إلى المحيط البشري، قابيل ضد هابيل، وانقسام البشرية في ثنائية الصراع مع الاحتفاظ بحق هابيل في المظلومية بحسب ما تروي الكتب التاريخية. ص 101
وبنظرة نفسية فإن هذه العدائية للآخر تأتي كناتج من نواتج فكرة الحق الكامل.. فريق يعتقد أنه يقف على المساحة الكاملة للحق، وفي اعتقاده أن الفريق الآخر يقف على المساحة الكاملة للباطل، وبمفهوم كثيرين: على الحق أن يدفع الباطل.
أغلب الحروب التي دارت في العالم كانت تنبثق أو تتغذى من هذه الأفكار، ليتجرع كل المستضعفين في الوطن العربي الذين قرروا الحرية، هذا الألم المستمر، ولم يأبهوا كثيرا لقوانين السياسة الدولية المخاتلة.. نحن بحاجة ماسة لردم هذه الهوّة وإنجاز ثقافة بتعبير ماركيز تزيل المتاريس أمام تدفق الإنسانية المعذبة.