الحلقة (2/2)
منقذ ثورة 26 سبتمبر يستقبل مسيرة البطون الخاوية!!!
خرجنا من زقاق القرية وعدنا الى الطريق الذي دلفنا منه للجبانة وانعطفنا داخل طريق الأسفلت الذي يشق قرية القُحيفة لنصفين.
ثمة دار قديم على يمين طريق قرية القحيفة بدت مهجورة من أي مظهر للحياة داخل أحشاءها فلا طيقان أو شباك يغلقها.
عندما التقطت صورة لها من عدد زوايا قال لي رضوان العبسي هل تصدق أن كثير من أبناء هذا الجيل بذبحان لا يعرفون أن هذا المبنى المهجور كان مقر نادي شباب ذبحان فأمر الإمام يحي عامله بالتربة بأغلاقه وانتقل إلى عدن حينها النادي ومنه خرج نادي الوحدة بعدن.
وعندما سألت شخصا من ذبحان للتأكد من رواية رضوان العبسي أجابني: ما نعلمه أنه كان مقرا لنادي شباب ذبحان وأن من بناه عبد العزيز سلطان وأخيه.
عندما كانت مسيرة البطون الخاوية تمر بجوار مدرسة الشهيد سعيد حسن فارع بقرية القحيفة استوقفنا شخصا مسنا وقال هذه مدرسة سعيد إبليس.
حياه فتحي العبسي وقال له سنعود إليها عندما نعود من زيارة الشهيد عبد الرقيب عبد الوهاب.
دلجت أقدامنا مخترقة زقاق قرية ذي لقيان... تتجاور المنازل متباينة تبعا لتباين دخول ومستوى معيشة أصحابها.
ثمة مئذنة وسط القرية حديثة العمر والانشاء.
عندما انعطفنا من جوارها مارين بمنعرجات الأزقة الضيقة انتهينا إلى دار متواضعة ليست قديمة ولا جديدة.
***
توقفت السيارات المرافقة للمسيرة وتحاشدنا في الزقاق المحيط بالدار.
دار عبد الرقيب... دار عبد الرقيب.
كان الدار شديد الشموخ شديد التواضع شديد البساطة.
وقفنا. للمرة جوار وأخذنا نردد السلام الوطني وعند الانتهاء منه اكتضضنا عند بوابة الدار جميعنا يريد الدخول.... أحد الأشخاص قال.... الدار قديمة وأصحابه لن تتحمل كل هذا العدد ... يدخل الصحفيون ومنظمي المسيرة.
عندما دخلت دار البطل الذي فك حصار السبعين يوما عن العاصمة صنعاء ومنقذ ثورة 26 سبتمبر من السقوط وعودة القوى الملكية لحكم اليمن الشهيد عبد الرقيب عبد الوهاب حرصت على أن ألصق أيدي على جدران الدرج وأحجاره حتى وصلت إلى المجلس بالدور الثالث علني أصافحه بلمس البصمات الباقية من ايديه ورائحته العابقة على الجدران.
تخيلته حين كان طفلا يتقفز بالدرجات أو يطل من نوافذ الدار أو يخرج من الباب الذي رأيته وكأنه هو نفسه دار بيتي القديم ف قريتي بالصلو.
في المجلس لم أمتلك نفسي فقبلت صورت الشهيد المواجهة للداخل مجلس الدار ولولا تحريم السجود للبشر والحجر والشجر لسجدت أمام عظمة صورته الناطقة بالإجلال والمهابة.
داخل هذا الدار البسيط المتواضع ولد وحبى وربى أعظم قائد عسكري وهبه الله لليمن في القرن المنصرم.
ولا استبعد أن يكون أصغر قائد في العالم يرأس هيئة أركان جيش بلاده وهو لما يتجاوز بعد السابع والعشرين من عمره سوى عبد الرقيب عبد الوهاب أحمد قاسم منصر علي شمسان البناء.
العظماء لا يصنعهم التاريخ وإنما هم من يصنعون التاريخ وهكذا كان الشهيد.
وبجانب الدار التقطت صورة مع أخيه نجيب وهو بالمناسبة صديق لي منذ عام 2010م.
***
في محراب سعيد إبليس
ودعنا دار الشهيد البطل وعدنا من ذات الطريق حتى وصلنا إلى قرية القحيفة ودخلنا مدرسة الشهيد سعيد حسن فارع الذبحاني المعروف بسعيد إبليس.
على إثر دخولنا المدرسة التي كانت خالية من الطلاب والمعلمين استقمنا وأدينا النشيد الوطني عبر مكبر الصوت الذي يرتبط فوق صدامة سيارة البرادو للمهندس فتحي العبسي... كان المشاركون يهتفون النشيد الوطني وهم رافعين اياديهم اليمني واصبعي السبابة والخنصر دلالة على الانتصار أو الشهادة في سبيل الأهداف التي من أجلها انطلقت هذه المسيرة من تعز صوب عدن.
وعقب انتهاء النشيد طُلب مني إلقاء كلمة سريعة عن أهمية ودلالة هذه الزيارة لبعض قرى ذبحان والبيوت والدور والمدرسة التي زارها المشاركين بالمسيرة.
وطبعا.... ما قلته هو أغلب ماورد في هذا المقال.
ونظرا لأن كثيرا من هذا الجيل لا يعرف عن سعيد إبليس شيئا سأسهب في إيراد سطور من حياته على نحو أكثر مما تناولته عن الأستاذ أحمد محمد نعمان مقبل علي شمسان البناء وابنه الشهيد محمد وكذلك أكثر مما كتبته عن الأستاذ عبد الله الفضول وأبيه الشهيد عبد الوهاب نعمان مقبل علي شمسان البناء وكذلك أكثر مما أوردته عن الشهيد عبد الرقيب عبد الوهاب والسبب في ذلك أن هؤلاء الخمسة ربما أوفر حظ من سعيد إبليس من حيث الكتابة عنهم.
ولهذا أضيف علاوة على ما قلته في خطابي بالمدرسة بأن الشهيد سعيد حسن فارع المشهور بإبليس ولد في قرية القحيفة بذبحان ولكنه نشأ في مدينة عدن، ومنها هاجر عام 1958م إلى السعودية وكان على صلة بقيادة الأحرار في القاهرة وأمضى فيها عدة سنوات.
يذكر محمد عبد الواسع حميد في كتابه : ( قد كنت أجمع في كل شهر ما لا يقل عن خمسة عشر ألف ريال إلى عشرين ألف ريال ، وكان سعيد إبليس يمر فيأخذها وهو يجمع من الدمام والخبر ما يجمع ، ومحمد أحمد سلام من جدة فيرسل كل هذه المبالغ إلى القاهرة
جمع في السعودية ثروة لا بأس بها ثم عاد إلى اليمن، واستأذن الإمام ( أحمد بن يحيى حميد الدين) في فتح مكتبة سماها: (الجيل الجديد)، في كل من مدينتي: تعز والحديدة؛ فوافق الإمام على طلبه، شريطة أن لا يروج فيها للكتب السياسية.
وعمل بفرع مكتبة الحديدة المناضل سعيد الحكيمي وفرع تعز عمل فيها علي عبده الحاج ، أما التي في عدن فقد أناب وكالة الأهرام لتولى التوزيع ليصبح قادراً على التنقل بين المدن الرئيسة والقاهرة ؛ يحمل الرسائل وينقل المنشورات .
تركز نشاطه في الحديد مع الذين يعملون في إطار حركة الأحرار وكان إلى جانب الصحف والمجلات المصرية يسرب الصحف الوطنية اليمنية والمنشورات السرية من عدن إلى الشمال .
- بعد أن لمس الإمام تكرر المنشورات المعادية لنظامه أصدر أمره بإلقاء القبض على سعيد حسن فارع.
عقب ثورة القبائل، التي اجتاحت مدينة صنعاء، عام 1379هـ/1959م عقد العزم على القيام بعملية انتحارية لنسف قصر الإمام (أحمد) في منطقة (السخنة) ، شمالي شرق مدينة الحديدة ، على بعد خمسة وثلاثين كيلو مترا فاختفى لتجهيز عملية انتحارية لاغتيال الإمام في السخنة وتمكن من الحصول على القنابل.
غير أن أمره انكشف قبل تنفيذ العملية ليلقي القبض عليه ويودع بسجن مدينة حجة.
استطاع الفرار من السجن غير أن الحرس أدركوه ، ولم يستسلم لهم ، فأطلقوا عليه النار ليلاقي ربه شهيدا في مدينة حجة عام 1380 هـ / 1960 م.
ودعنا الشهيد سعيد إبليس في مدرسته وخرجنا من القرية وفيما كنا أمام قرية الجماجم رأينا مدرسة يعلو سقفها فاترينة مدرسة الشهيد عبد الرقيب عبد الوهاب.... تصورت بجوارها مع الأستاذ أمين المسني وأخرين لم أستطع حفظ أسماءهم.
عادت مسيرة البطون الخاوية إلى مقر رباطها بمكتب التربية والتعليم بمدينة التربة.
واجتزت مع عدد من المشاركين بالمسيرة ما يقارب كيلو ونصف الكيلو على مخالف بين الحقول والبيادر اليابسة حتى وصلنا.
عدت من ذبحان ولا تزال عشرات الاسرار كامنة في صدرها تحتاج لكاهن الإبداع أن يكشف كنهها فلعل في معاطفها مفاجئات قد تعيد لها الريادة الوطنية التي صودرت منها على نحو متعمد من قبل الانظمة التي توارثت حكم البلاد والعباد.
سلام على ذبحان... سلام على العظماء الستة الذين استقبلوا مسيرة البطون الخاوية.