تُسمي كثير من البلدان الانتخابات "عرسا انتخابيا" ينتظرها السكان بشغف، يزحفون إليها وكلهم أمل في استبدال السواد الذي في بلدانهم ببياض يلوح في الأفق، بارقة أمل بتغير رئيس بمرشح، وفرصة لاستبدال فاسد بصالح، ونافذة لتغير فاشل بناجح، لكن ما سنتكلم عليه اليوم هو عملية استبدال سواد بسواد! يعاني قانون الانتخابات الإيراني من عقم مزمن لا يمكن علاجه فهو يخضع لـ "مجلس صيانة الدستور" الذي يُعينه ويشرف عليه المرشد، وظيفة هذه اللجنة هي تشكيل الانتخابات الإيرانية بما يلائم ويناسب رغبات المرشد، بمعنى، أن فقرات قانون الانتخابات تحمل في طياتها الكثير من الغموض المقصود، كي يُفسح المجال أمام لجنة صيانة الدستور لاستبعاد من تشاء وتقديم من تشاء، فلا يتمكن أحد من الترشيح على الانتخابات حتى يتحّصل على موافقة هذه اللجنة.
في كثير من الأحيان يتقدم عدد كبير للترشيح، لكن لا ينال الرضا والقبول إلا اللذين يجيدون تقديم فروض الولاء والطاعة للمرشد الأعلى، ففي انتخابات 2013 مثلا سجّل 686 مرشحًا، لكن بعد مراجعة مجلس صيانة الدستور لملفات المرشحين، تم الإعلان عن اللائحة النهائية التي ضمت ثمانية مرشحين فقط. بإيران يشترط المذهب على المرشح الرئاسي، وهذا الشرط يحرم ثلث سكان إيران من الترشح، أما بقية شروط الترشح ففيها ليونة ومن السهل على لجنة صيانة الدستور أن ترد مرشحا لا يعجبها بحجة ضعف حكمته وتدبيره.
أما شروط المرشح للرئاسة الإيرانية الرسمية فهي الأخرى مثقلة:
-أن يكون المرشح رجلاً. -أن يحمل الجنسية الإيرانية.
-أن يكون حسن السيرة والسلوك، ولم يسبق الحكم عليه.
-أن يكون ذي حكمة وتدبير.
-أن يكون مؤمناً بالأسس التي تقوم عليها الجمهورية الإيرانية والمذهب الرسمي للدولة.
الفقرة الأخيرة مهمة للغاية بالنسبة لنا، فهي تشترط المذهب على المرشح الرئاسي، وهذا الشرط يحرم أولاً ثلث سكان إيران من الترشح، كما أنها الدولة الوحيدة التي تشترط المذهب صراحة في انتخاباتها، أما بقية فقرات الشروط ففيها ليونة فمن السهل على لجنة صيانة الدستور أن ترد مرشحا لا يعجبها بحجة ضعف حكمته وتدبيره، فما هو المحدد والمقياس للحكمة والتدبير، وماهو القانون الذي يتبعونه لمعرفة ذلك سوى رغبات العمامة السوداء!
نظرة على مرشحي الرئاسة لعام ٢٠١٧:
- حسن روحاني: الرئيس الإيراني الحالي والمصنف على الإصلاحيين، المتسبب بالأزمات الكبيرة التي تثقل المنطقة! - محمد باقر قاليباف: مصنفٌ على التيار المحافظ، ولكنه ينادي ببعض أفكار التغيير والإصلاح، يشغل منصب عمدة طهران منذ أعوام، أُتهم في المناظرة الرئاسية من قبل “إسحاق جهانغيري” بأنه كان وراء مهاجمة السفارة السعودية.
- إبراهيم رئيسي: رجل المرشد والمرشح الأوفر حظا، المدعي العام في إيران، وهو أحد أبرز مرشحي التيار المحافظ. - إسحاق جهانغيري: النائب الأول للرئيس حسن روحاني ينسب إلى تيار الاعتدال. - مصطفى مير سليم: وزير الثقافة متشدد، وهو مرشح حزب “المؤتلفة” الإسلامي المتعصب الذي يتزعمه محمد نبي حبيبي.
- مصطفى هاشمي طبا: وهو الوزير الأسبق للصناعة ومساعد الرئيس الإيراني في حكومة آية الله رفسنجاني. الفرق بين هؤلاء المرشحين من حيث التوجه يتعلق بالإدارة الداخلية للبلاد فبعضهم كان له مواقف في جوانب عملية وإنتاجية فنسب للإصلاح، والآخر لازم تشدده وتعصبه دون النظر للنتائج فسمي بالمحافظ، لكن السياسة العامة للبلد والتوجهات الخارجية لاتكون إلا حسب هوى ورؤية ولاية الفقيه التي يمثلها المرشد الأعلى.
مخرجات هذه الانتخابات بالنسبة لنا لن تغير شيئا، فسواءً أكان الفائز إصلاحيا أم محافظا أو معتدلا، فلن تكون له سلطة حقيقة ولن يتنفس إلا هوى وأراء المرشد، وقد تناوب المحافظون والإصلاحيون على الرئاسة فقد رأينا آخرهم حسن روحاني المنسوب للإصلاحيين فلم نرى تغيرا في سياسة البلد؛ لأن كل رؤساء إيران بمختلف توجهاتهم لا تحكمهم إلا العمامة السوداء.
* نقلا عن مدونات الجزيرة