الخطاب السياسي والدبلوماسي أداتان من أدوات توصيل الفكرة وأداء المهمة التي يقصدها كﻼ من الرجل السياسي أو الدبلوماسي، هذا إذا تفرقا أما إذا اجتمعا الخطابان في خطاب واحد وصاحبهما شخصٌ واحد متميزٌ وفريد إضافةً إلى الحس الوطني والهم اﻻجتماعي الذي يحمله، فهنا يكمن اﻹبداع وتتجلى الحنكة السياسية والدبلوماسية في ظاهرة تستحق منا التوقف ملياً لفهم هذا التفرّد الملحوظ والتجلي منقطع النظير.
بناءً عليه سوف أتطرق إلى موضوع خطابات وأداء السفير الدكتور عادل باحميد التي تبعث دائماً في نفسي نشوةً يتوجها اﻷمل، بعيداً عن مناسج المجاملة واﻹطراء الذي يتكئ على جلب مصلحة ما أو درء ضرر، شهادة حق أُريدُ بها الحق ﻻ غيره، شهادة وإنصاف ﻻ أتوخى على إثره فائدة أو مكتسب آني أو مستقبلي، فهي لله خالصة، استجابة لنداء الضمير وتوافقاً مع مبادئي التي نشأت عليها، والتي اتصف أحياناً بالحدة في نتاجاً لها تجاه ما أجده متعارضاً مع قيمي اﻻنسانية ومصلحة الوطن ولحمته وعزته أرضاً وإنسانا، وحتى الدعوة التي تلقيتها لحضور المناسبة لم تكن من سفيرنا بل وصلتني من نائبه اﻷستاذ الفاضل أمين الهمداني الذي أكن له كل التقدير واﻹحترام.
والتي كان آخرها الخطاب الذي ألقاه على ضيوفه الذين حضروا بمناسبة اﻹفطار السنوي الذي تقيمه السفارة اليمنية ﻷبنائها في كواﻻلمبور، خطاب اجتمعت فيه كل الخصائص سالفة الذكر، خطاب انصهرنا فيه وذاب في أرواحنا كالسكر دون عناء، خطابات تتشكَّل فيه مﻼمح دولة في سماء اليمن الملبد بغيوم الصراع السياسي الدامي، خطاب سياسي ودبلوماسي حمل في طياته كل صور المعاني الحميدة وبرز فيه كل معاني الصدق عند اﻹلقاء وكل صنوف المحبة عند اللقاء بإخوانه من كل اليمن.
إذ أني لم أستمع في حياتي إلى خطاب يجتمع المتناقضين سياسياً لسماعه فيذوبون في بعضهم، ويستمع إليه كل الفرقاء فيجمعون عليه وﻻ يختلف حوله إثنان، بفعل تدفقه من معين القلب الصادق الذي وجدت دائماً فيه وقعاً حقيقياً وصدىً حميمياً ينزل على قلب المتلقي الصحيح من أدران الحقد الشخصي أو الهوى الفردي الذي يهيم بعيداً عن مساحات الوطن وآﻻم المواطن وهموم الشعب ويتساوق مع المثل القائل "كل ما يصدر من القلب يكون موقعه ﻻ محالة كل القلوب".
الحديث إلى ثلة من اﻷكاديميين وصناع القرار السياسي، والدبلوماسيين والباحثين المتخصصين المبدعين، ورجال اﻷعمال التجارية العمﻼقة، وقادة مجتمع مدني طﻼب وﻻجئين وزوار عابرين ليس بالسهل، ومهمة ﻻ يركب موجها إﻻ المتمكن الذي صنعته اﻷحداث وخبرته الخطوب وعاش ظروفها القاسية حلوها والمر، فذلك الذي لمسته كباحث أكاديمي وكاتب سياسي يمني عاشق ﻷبناء اليمن المخلصين في نبرات صوت الرجل وعباراته المنسوجة تلقائياً دون تحضير أو كتابة كعقد لؤلؤي خالطته اﻷحجار الكريمة صفَّاها صائغٌ ماهر وجمَّل وجهها نقَّاشٌ محترف.
سمعنا الكثير من النقد إبان توليه العمل كسفير، أنه لم يأتِ من الوسط الدبلوماسي ولم يخرج من رحم اﻻتيكيت والبروتوكوﻻت المدبجة في بطون المﻼزم والكتب، بيد أني قلتها وأقولها دائماً أن البرتوكوﻻت ليست مقياسا للنجاح وأن اﻹبداع في حقيقته ﻻ يقف عند تخصص وﻻ تعوقه أية حواجز بل يكسر كل اﻷبواب اذا صُدت ويدخلها بنعومة فائقة إذا فتحت ويطلق كل اﻵمال إذا ما صُفدت.
وﻷنه جاء من رحم المعاناة التي تجرعها اليمني سنيناً وقرون، على مدار تاريخه المعاصر كان نموذجاً لﻺنسان الذي يسكنه انسان وسفيراً تغنى بأبناء بلده في بلد الشتات وهام فيهم رغم الجراح وشحِّ اﻹمكانيات، حباً يعيش معاناتهم بكل أبعادها المعيشية واﻹنسانية، المعاناة التي صنعت رجال التحوﻻت التاريخية لليمن الحديث، فجعل من السفارة صدراً رحباً ومساحة بحجم الوطن مفاخراً بطﻼب اليمن وكوادره المبدعين في كل تخصصٍ ومجال.
لمثل هذا النقاء السياسي والدبلوماسي الذي يمثله السفير الدكتور باحميد يجب أن تخرّ اﻷحرف سجّداً احتراما وتقديرا له وثناءً عليه، فليس هناك شيء في الحياة أفضل من قول الحق وشكر من يستحق الشكر بهدف خلق القدوات لﻸجيال الذين إن ساروا على ذات الدرب صلُح الحال وحسُن التعامل والمآل وذاك ما نطمح إليه جميعا ويرتضيه ضمير الوطن، قال الرسول صلى الله عليه وسلم " ﻻ يشكر الله من ﻻ يشكر الناس "
السفير باحميد.. وخطاب الدولة
2017/06/20 - الساعة 10:36 مساءاً
إضافة تعليق