أتمنى أيتها الصديقة أن تقرئي قصة قصيرة عنوانها "شيء أسمه الحنين" ضمن مجموعة قصصية حملت نفس العنوان لرائد القصة اليمنية الشهيد محمد عبد الولي.
قصة كتبها في سنوات عقد الستينيات عن مهندس عاد من دراسة الهندسة في كندا، وأول ما وصل وظف في تهامة بينما الذين بدون مؤهلات يوظفوا بالعاصمة وبمناصب كبيرة.
يصف فوق السيارة من صنعاء إلى الحديدة مفارقة رائعة حياة أهل الجبال الذين يسكنون في قممها كالنسور لكنهم يعيشون مثلها على أكل الجيف، ويقارن بين جمال الطبيعة والمدن في البلدان الغربية واليمن.
في تقديري أن القصة تلخص كثيرا من الحال التي عليها اليمني في زمكانية الحياة المعاصرة.
وتعالوا نقرأ الحوار الذي دار بين المهندس وصديقه فوق السيارة:
قلت:
هل كل من يهاجر اليوم إلى السعودية أو الخليج يعتبر هاربا متخليا عن وطنه؟
قال:
لا تقارني بأولئك، إنهم يبحثون عن لقمة لهم ولأبنائهم وأسرهم أنهم يبحثون عن عمل لم يتحصلوا عليه هنا في بلادهم أما أنا فاختلف إنني أعمل وأجد راتباً ممتازاً يحسدني عليه الكثيرون ومركزي لا بأس به فأنا إذن لا أهاجر من أجل العمل، هنا الفرق.
قلت:
لا فرق لدي، فأنت تهاجر بحثا عن ذاتك، عن شيء ما فقدته هنا ولم تجده، لذلك تعتقد أنه هناك في مكان ما، إن هجرتك مثل هجرتهم تماما، بحثا عن شيء ما ينقصك، وبدونه لا تستطيع أن تعيش وكما قلت لو استمر الأمر فإنك ستجن لذلك لا بد لك أن تهاجر لتجد ذاتك.
فكر كثيراً ثم قال:
-قد تكون على حق ولكن... ولكنني لن أعود.. ليس هناك شيء يربطني بهذا المكان لقد انتهت علاقتي بالكل لن أعود.
قلت:
ذلك شيء لا تستطيع أنت تقرره يا عزيزي ففي أعماق كل واحد منا شيء أسمه الحنين، إننا نهرب ونغيب ونلعن كل ما هو حولنا لكن الحنين يتغلب في النهاية ستعود يوما ما، لا أدري متى؟، ولكن هنالك لن تجد نفسك، نعم قد تجد ما فقدته هنا، الشوارع المضاءة والنساء الصخب والعنف، السرعة الجنونية والهدوء الأكثر جنوناً، ستجد كل ما فقدته طوال هذه السنوات، ولكنك ستكون منفصلا عن واقعك نحن كما قلت جزء من تاريخ قديم صفحاته حقيقية ولا تزال موجودة في هذا القرن، ونحن جزء منها....أتذكر رواية الأفق المفقود؟
ذلك الجزء الغائب في أعماق الصين حيث يكتشف الناس سر الخلود الكل شباب... والشباب دائم وأبدي، ولكن ما أن تغادر الوادي الأخضر ذلك الأفق المفقود حتى تنهال عليك السنين، وتصيح فجأة وقد أصبحت محطما وقبيحا... هكذا نحن... هناك سر ما في بلادنا هذه... أنا معك جرداء وقاحلة، وأن الأمل في أن لا يقتلنا هؤلاء الذين لا قيمة إلا لبندقياتهم، ولكن لا نستطيع هكذا الخلاص منهم بسهولة، هناك قدر ما يربطنا بهم ولا نستطيع منهم فكاكا نحن جزء واحد من كل هذا التخلف، نحن، جزء منه.... ولكننا لسنا متخلفين هنا.
هناك في أمريكا أو أوروبا نحن لا نستطيع أن نكون متخلفين مهما كانت ثقافتنا. أما هنا فإننا نحن الواقع لأننا المستقبل.
لنلاحظ أخر جملة في الحوار "" أما هنا فإننا نحن الواقع لأننا المستقبل"".
ذلك صحيح أيتها الصديقة.
قدر اليمني أن يبقى يحن الى المستقبل والحياة بشروطها الصحيحة.
مهما بعدنا عن أرضنا!
مهما قست علينا أرضنا، مهما تلوثت بالقاذورات السياسية والمذاهبية الدينية المقبتة، والعسقبائلية، والجملكية!
مهما يعملوا فيها من نتن وخراب ودمار.
نعم أمام ما يراد لبلادنا لا نملك نحن إلا أن نناضل من أجل أرضنا هذه.
لن تحملنا أرض اخرى كما حملتنا وستحملنا، ومن يلينا.
لن تجدي ترابا يعشقك ولا جبالا تحبك كتراب وجبال وسهول اليمن.
على هذه اﻷرض يا صديقتي شيء إسمه الحنين كما قال محمد عبد الولي.
أيضا في قلوبنا يستوطننا شيء اسمه الحنين.
يجب أن نحن للمستقبل ونحن لأرضنا الجمة العطاء حنينا لا يغلبه أي حنين أخر.
يوم نصدق في حنيننا لهواء ونسيم بلدنا ولرائحة قبوات الكاذي واﻷوزاب والوالة وفراسك صبر وبخور عدن ورائحة العودة الصنعانية، وخضرة محافظة إب تلك التي كلما رأيت مدينتها إب من فوق جبل بعدان او جبل التعكر لكأنني أرى قبضة من فضة نفثت فوق سجادة خضراء.
لا يجب أن علينا أن نستسلم لليأس الصغير.
يقول عباس العقاد"اليأس العظيم خير من الأمل الصغير" وقصده من ذلك أنه ليس أمامنا عندما نسقط ﻷدنى دركات اليأس إلا أن نتخلص منه دفعة واحدة على عكس اﻷمل الصغير لا يجدي منه شيئا بل يعيق أي تحول للحياة اﻷفضل.
لا يجب الاستسلام للتويهمات السلبية ولنكون ملك أفكار الانتصار والانتصار والانتصار فقط لمتطلبات المستقبل في بناء وطن جديد بشروط العصر مهما كان ثمن ذلك البناء مكلفا وكبيرا.
لا نملك إلا أن نواصل نضالنا ولا محالة ستؤتي تضحياتنا ثمارها الناضجة للأجيال القادمة التي ستمتن لنا كثيرا في زمنها.