التحالف الانقلابي بين صالح والحوثي لم يكن تحالف بين حزب سياسي وجماعة مسلحة ، بل هو تحالف بين المذهبية والطائفية ، تحالف بين فكر المذهب الزيدي انصار زيد بن علي ، وبين فكر الطائفة الشيعية التي تدعي انها من انصار الحسين بن علي بن أبي طالب .
الرئيس السابق صالح يعتبر مذهبياً زيدياً حتى النخاع ، وقد تعامل طيلة فترة حكمه على أساس مذهبي ومناطقي ، وقد تحالف مع الحوثي ووقف معهم على أساس فكري من خلال قياس الفكر الاقرب إلى فكره ، وعلى أساس مناطقي من خلال البيئة الاقرب لبيئته ، ولهذا يعتبر صالح هو الاقرب لإيران في اليمن بعد جماعة الحوثي التابعة لها ، والاقرب للمكونات الطائفية في الوطن العربي كحزب الله في لبنان وحزب البعث في سوريا ، ولم يكن يوماً الاقرب للملكة السعودية أو الوهابية او الإمارات ، ولقد حارب صالح طيلة فترة حكمه المذاهب الاخرى والجماعات ذات الفكر السني ودعم المذهبية الزيدية بشكل غير مباشر وظاهر ، كما شجع ودعم تنظيم الشباب المؤمن التابع للحوثي كي يحارب الفكر السني المتمثل بالجماعة السلفية في مركز دماج ، وعمل صالح بكل الوسائل لدعم المذهب الزيدي ، محاولاً ان يظل الفكر السائد في صنعاء وصعدة وعمران وذمار ، ولكن ذلك الفكر ضعف في تلك المناطق بسبب الوعي الذي نما في الجيل من خلال الانفتاح على العالم عبر وسائل النت والصحافة والإعلام والتعليم في الخارج ، بالاضافة إلى ان حزب الاصلاح والجماعة السلفية كانت لها دور في اضعاف ذلك الفكر .
في أواخر شهر رمضان الماضي ، شكل صالح لجنة مكونة من نجل شقيقه طارق ، ورئيس الدائرة الاعلامية بالمؤتمر طارق الشامي ، لزيارة العلامة المؤيد في منزله ، وحملوا له رسالة من صالح تحدث فيها على ان العلامة المؤيد مرجعية للمذهب الزيدي ، واشاد بدوره في هذا الجانب .
ولكن هل رأيتم صالح قام بمثل هذا لبقية العلماء في صنعاء المحسوبين على الفكر السني ويشكل لجنة لزيارتهم لمنازلهم ويحملون لهم رسالة كالعلامة العمراني وغيره .
الجواب لا ، والسبب ان صالح في الحقيقة يحارب ويكره كل العلماء الذين يحملون فكر آخر غير المذهب الزيدي .
ذات مرة كنت في مقيل يحيى صالح نجل شقيق الرئيس السابق ، وسمعت احد الحاضرين يحدثه عن الإعلامي الحوثي عبدالرحمن العابد ويشيد به وقال انه نزل إلى تعز وجلس يومين بدون نوم اثناء تغطيته لفعالية اعلامية في قناة المسيرة ، وقال ذلك الشخص انه ضرب مثلاً في نشاط العابد امام ابناء تعز وقال لهم شوفوا لانه زيدي جلس يومين بدون نوم وهو نشيط وشغال ... اي ان ابناء تعز وغيرهم الذين لم يكونوا يتبعون المذهب الزيدي فاشلين وكسلين وغير قادرين على ان يعملوا كمثل العابد .
ووجدت يحيى صالح يبتسم من ذلك الكلام معجباً جداً ومبدياً ارتياحه الكبير ، رغم ان يحيى صالح كان مختلف مع عبدالرحمن العابد حينها بسبب قيام الاخير بسبه في عدة منشورات .
وحينها انصدمت واكتشفت ان عائلة صالح تتعامل على اساس مذهبي ، وان يحيى صالح الذي كان يوهمنا بالرقي والتقدم والقومية العربية ليس إلا مجرد صاحب عقلية مذهبية متخلفة .
وهذا هو ايضاً حال صالح الذي كان يظهر محذراً من المذهبية والعصبية وثقافة المناطقية ، وهو اكبر مذهبي ومتعصب ومناطقي .
كان صالح قادر على ان يجعل التعليم والثقافة قوية جداً في عهده ، ولكنه تعمد محاربة هذه الجوانب في اليمن بشكل عام وفي المحافظات التي كانت بيئة للمذهب الزيدي بشكل خاص ، بهدف عدم القضاء التام على الفكر الزيدي الذي يدعمه ويشجعه من خلف الستار ، وهو بهذه الطريقة قد حارب المحافظات التي كانت تتبع هذا المذهب قديماً ، وسعى إلى ان يجعل ابناءها متخلفين فكرياً وثقافياً ويعيشون في عهد ما قبل ثورة سبتمبر ، إلا ان اغلبية ابناء تلك المحافظات كانوا اقوى من رئيس الدولة ، واعتبروا ثقافة المذهبية أمر غير مقبول في عقلياتهم التي يجب ان تحمل تقدم فكري حضاري يتواكب مع فكر الشعوب الراقية .
مذهبية صالح هي من جعلته يتخذ طرق خداعية يستخدم فيها المؤتمر كحزب سياسي والكثير من ابناء اقليم الجند وتهامة وسبأ والجنوب فيما يخدم فكره المذهبي .
بينما مذهبيته ستجعله متمسكاً بالحوثي حتى النهاية ، كونه يرى ان هناك بعض ما يتفق به مع الحوثي فكرياً ، ولهذا يعتبر طائفية الحوثي هي الافضل له من بقية الافكار في اليمن التي يكرهها ويبغضها كالسنة والشافعية ، ويعتبر شيعية إيران هي الافضل من وهابية السعودية التي ايضاً يبغضها ويعاديها فكرياً.
إلا ان جماعة الحوثي لم تعد محبة لزيدية صالح المذهبية ، كونها تعتبر ذلك غير مقبولاً في منهجية الجماعة ، بالاضافة إلى العداء التأريخي بين الامام الزيدي احمد حميد الدين وقيادة الجماعة المتمثلة بآل الحوثي ، حيث كان الامام يكره آل الحوثي ويقول " الحوثي اخبث من كل خبيثي " ، بينما يعتبر الفكر زيدي معتدل نوعاً ما وفكر الحوثي متطرف ، وهذا ما سيجعل الفكر الحوثي لن يقبل الفكر المذهبي الزيدي اطلاقاً ، ويرى ان التخلص منه امر لابد منه ، كي تصبح سيطرة الجماعة في المجال الفكري سيطرة تامة ، وفي هذا الحال لن تشفع لصالح مذهبيته الزيدية عند طائفية الجماعة الحوثية .