اقترب الحوثيون كثيرا من رأس الأفعى وأصبح في مرمى سهامهم ، وفِي كل مرة كانوا يتقدمون خطوة باتجاهها كان المؤتمر يقدم المزيد من التنازلات للحفاظ على شراكة منقوصة تأمن له هامش للمناورة ؛ وتحاشيا لمواجهة غير متكافئة .
وفِي غضون سنتين راكم الحوثيون الثروة، وبنوا كيانهم الموازي لمؤسسات الدولة المغتصبة، واخترقوا اجهزتها الأمنية والعسكرية، وعمموا عقائدهم القتالية على منتسبيها، واستطاعوا الى حد ما صياغة المحددات العامة للسلطة الانقلابية وتنظيم أدائها وفق التراتبية الهرمية لقبضة المرشد المنتظر داخل الجماعة.. وفي ظل نزوع الحوثيين للخيارات القسرية في إدارة المناطق التي يسيطرون عليها وافتقارهم للمهارات السياسية فأن المؤتمر وجد نفسه كحزب مقعدا في الظل على الرغم من المشاغبات الصالحية التي تخرج للعلن من وقت الى اخر ما دفعه الى الخروج في محاولة جريئة للبحث عن كينونة غرقت في مستنقع آسن وأصبح البحث عنها ومحاولة انتشالها من الأعماق السحيقة لا يقل مأساوية عن فقدانها.
يعلم صالح وهو السياسي والعسكري المتمرس ان الحشود والشعبوية لا قيمة لها امام واقعية القوة _القوة التي جردته منها ثورة فبراير ، والحوثيون ، والتحالف العربي_ لكنه يتشبث بخيار لم يألفه من قبل ، اي احياء وبناء قوة ضغط تكنوشعبوية لا ترقى لمستوى المعارضة السياسية لتحسين شروط بقائه وتأجيل ساعة التهامه كأفعى تسكن جحرها وحيدة.
عمليا لم يعد احد يستفيد من بقاء صالح حيّا سوى الحوثيين لكنه يعلم ان لا أفق ينفذ منه النور الى عقل جماعة متوحشة ولا أمل يرتجى من تغيير سلوكها في الغد لذا كان لا بد من القفز الى الامام ، ومواجهة الخطر بلا غطاء باستثناء حشود يسكنها الفراغ يقودها سياسي انتحاري لا يشبه الا نفسه !
في سيرة صالح قفزات مفصلية عدة شكلت في مجملها الأحداث الرئيسية للتاريخ اليمني المعاصر منها قفزة وطنية في 90م وقفزة احتيالية في ٩٤م وقفزة براغماتية في 2012 م وقفزة الى قلب التآمر على الدولة والسلم الاهلي في ٢٠١٤ م، وها هو الرجل الطاعن في السن يقفز في الفراغ بعيدا في سبيل البقاء على قيد الحياة وان بلا أمل وان بلا كرامة!
يعلم صالح انه لا يمكنه احتواء المؤتمر الى الأبد. كما كان يعلم انه لا يمكنه احتواء الجمهورية بلا نهاية ، لكنه أسير الواقعية العنادية إذ غالبا ما اختطف النصر من أيادي خصومه الأقوياء مخالفا كل التحليلات والتنبؤات، وفي كل نصر كان يفتقد لحقيقية بديهية هي ان النصر الشخصي حين يكون على حساب المصلحة العليا للشعب لا يمكنه الظفر بالمجد ، وحين افاق على تلك الحقيقة القاسية لم ييأس كعادته وباشر انتقامه من الجميع بما في ذلك حزبه ورجال دولته ؛ وما أن اوشك على الانتهاء استدار على نفسه منتقما من الانتقام ذاته في لعبة دائرية لا تنتهي الا لتبدأ .. وكأن وظيفته الوحيدة في السلطة ثم التوافق واخيرا التمرد هي لإثبات مقولة: "ان التاريخ يعود على شكل مأساة"، وفِي كل مأساة هناك ضحايا فقط ولا وجود لمخلص ما او بطل يخرج من تحت النار لينهي القصة.