نحن مُغيبون فكرياُ وثقافياً عن العالم بفعل فاعل حاضر غير مستتر. بينما يغوص العالم في بحر اكتشافات العلوم والاختراعات ترى الإنسان العربي يتفنن في اختيار أفضل أساليب التفكير في تعميق فكرة التآمر الغربي عليه و تمسكه الطفولي بفكرة ضرورة عودة الزمن الذهبي للعصور السابقة. من وجهة تمثل تلك العصور العدل والمثال والخير. يأمل المهووس بالماضي وتاريخه الانتصار على الآخرين الذين يمثلون جحيماً وجودياً له. لا يحب انتصاراتهم في مجالات البحث والكشوف ولا يعترف بها رغم فائدتها العائدة عليه وعلى غيره. لا يكلف نفسه في البحث عن ماهية الحقيقة والسعي خلف الحق والعمل به. لقد ساد منطق التلقي في بعض مناطق الوطن العربي على منطق البحث والتفكير؛ وذلك لعدة أسباب: منها التجهيل المقصود حتى لا يستطيع أحد أن يقول رأيه أو موقفه من أي شيء توصل إليه فكرياً ومنطقياً. حاولت وتحاول الأنظمة القمعية أن تبني لها شرعية شعبية على أسس دينية كي يكون لها غطاء في تجاوزاتها ضد المواطن باسم الدين. إنها تبحث عن منطق متعالي على القانون والعقل حتى لا تحاسب كالحكومات الديمقراطية التي يعرفها عالم اليوم.
إن واقع الحال هذا قد جعل الخوف ينتشر أكثر فأكثر حتى أصبح من يحمل فكراً مختلفاً ولو جزئياً يخشى مصيراً معروفاً سبقه إليه آخرون. أضحى الصمت والنفاق مصير مفكرين ومشتغلين بالثقافة خوفاً من عواقب تنتظرهم من لدن مافيا التجهيل المقدس. إنها هذه المافيا التي تغلغلت في عمق المجتمعات العربية، حتى وصلت لتدميره هذا الدمار الذي نشهده اليوم بصور متعددة. إن معركتنا اليوم هي معركة وعي ضد جهل، ومعركة حرية ضد قمع، ومعركة تنوير ضد تجهيل ممنهج. إنها معركة البقاء بسلام في عالم يفرض على إنسان هذه المنطقة العيش بخوف وقلق لا حدود له.
أحمد أنيس الدبعي
ناشط يمني