_*عن الحزبية ....في ذكرى رحيل القائد عبد القادر سعيد*_

 

أنا أحد المبهورين بشخصية عبد القادر سعيد تتبعت سيرته فوجدت أنه يمثلني تماما كما يمثلني عبد محمد المخلافي الزعيمان الشابان اللذان رحلا في العقد الثالث من عمرهما ، ركزت كثيرا على العلاقة التي كانت تربط بين الرجلين سعيد و المخلافي سواء في القاهرة أو تعز لأنني لم أستصغ تأريخ التنافر بين التيار اليساري والإسلامي بتلك الطريقة المهلكة و هم في وطن واحد و التي استثمرت بخبث لصالح الاستبداد و الخراب و وجدت أن الرجلين كانا صديقين حميمين رغم الاختلاف الأيدلوجي لأن النضج عندهما كان أكبر من الأيدلوجية وخاضا حوارا طويلا و مستمرا من أجل توحيد الجبهة الداخلية في أوج تناقضاتها و كان سعيد مثل المخلافي يرى أن هذا التناقض حد العداء يضر بالوطن و غير مبرر لم أقل هذا بفعل العاطفة و إنما بالاستقصاء عن حالة تأريخية و زعامات من النوع التي تحرق المراحل ويجهلها الكثير .

استمعت لشهادات اشتراكية و إسلامية قريبة من الرجلين و وجدت اجماعا بأنهما كانا متميزين و استثناء متقدما لو أتيحت لهما الفرصة لكانا استطاعا عمل نقلة نوعية للعمل السياسي اليمني من و قت مبكرا، استمعت كثيرا للأستاذ الفاضل صاحب الروح الشفافة (محمدعبدالدائم الساده) القيادي في الحزب الاشتراكي و صديق عبدالقادر سعيد و المخلافي معا كما استمعت للمناضل( أحمد الحربي )القيادي الاشتراكي المعروف و آخرين و أكدوا لي أن عبد القادر سعيد كان مع المخلافي و معهم آخرون في الحركة السياسية قد حاولوا بناء كتلة وطنية واحدة وعملا مشتركا و بحسب( السادة )فقد بدؤو فعلا بوضع القواعد الأساسية للجبهة الوطنية التي تضم الفاعلين في الساحة من يساريين و قوميين و إسلاميين قال لي أحمد الحربي في ذاك الوقت كان الجو مشحونا بين الأحزاب وخاصة بين اليسار والإسلاميين الذي كان المخلافي زعيمهم الأول و الذي شنت عليه شائعات رهيبة بحجم شخصيته 
رأيت عبد القادر سعيد و الكلام للحربي يلتقي لقاءات مطولة مع المخلافي فاستنكرت ذلك وفي إحدى المرات قلت له كيف تلتقي مع هذا الرمز الرجعي التفت إلي مبتسما و قال( عبد محمد) شخصية وطنية مخلصة و مقتدرة و الوطن يحتاج لأمثاله،

و كادا أن ينجزا فعلا وثيقة اتفاق بين القوى الوطنية للعمل المشترك لولا غيابهما المبكر عن الساحة كان عبد القادر سعيد مهندس توافقات و الزعيم القوي هو من ينجح في صناعة التوافقات لا الكراهية وزراعة المفخخات بين الناس بحسب ( السادة) الذي كثيرا ما كانت دموعه الغزيرة تسبق تعابيره و هو يتحدث عن تجربة عبد القادر سعيد و المخلافي و شخصيتهما الساحرة النادرة ،لقد كان عبد القادر سعيد مشروعا وطنيا ينظر إلى جواهر الأمور و يتحرك بروح الوطن مشروع سلام يعتمد على قوة الوعي و وحدة الناس لم يكن طرفا في صراعات الرفاق و وقف ضد العمل المسلح اتهم بالرجعية من كثير من رفاقه وضاع صوته ببن زحمة الشعارات حتى جاء يوما ليقول عنه جار الله عمر (كان عبد القادر سعيد اكثر منا نصجا وتطورا ) .

ذكر لي الأستاذ ( السادة ) قائلا : أناعرفت قادة كبار من كل التيارات لكن اليمن خسرت خمس شخصيات بحجم جبال اليمن ولم ارى مثلهم كانوا يمثلوا فريقا متناغما يعلوا عندهم الشأن الوطني على الحزبي رغم اختلاف ألوانهم السياسية و كان بإمكانهم تغيير المسار الخطأ لو كتب لهم البقاء مجتمعين لكنهم غابوا سريعا أو غيبوا و بحسب الساده فالخمسة هم عبد القادر سعيد و عبده محمد المخلافي و عبد السلام مقبل وعبد الحافظ نعمان إن لم تخني الذاكرة بالأخير والخامس نسيته للاسف و عازم على استنطاق الاستاذ الساده عافاه الله ليذكرني باسم الخامس إن كتب لنا لقاء .

لقد غاب هؤلاء عند الفجر و قبل أن تبدأ عجلة الضحى بالدواران فكسفت شمس الوطن ضحا و حضر متطرفوا كل الأطراف و شاحنو الكراهية و حاملو الخواء الفكري لندفع الثمن ضياعا لحياة أجيال و دولة كان المفترض أن تكون اليوم غير ما نحن فيه من سواد .

لقد أبهرتني روح عبد القادر سعيد و أنا أكتب عنه و عن تجربته منذ أكثر من عشر سنوات و لا تمر ذكرى وفاته السنوية إلا و عمودي شوارد الجمهورية على صفحتها الأخيرة يتزين بسرد مشع عن هذه القامة حتى ظن البعض من فرط الجهل و التعصب الحزبي بأني إشتراكيا مع أنني كتبت عن عمرطرموم و با ذيب و عبدالسلام مقبل و عيسى محمد سيف و المخلافي فقد وحدت في سيرتهم روحا وطنيا بحجم الوطن و بسعة أحلام الناس دون ان يعني اختلاف الوانهم شى سوى لوحة جميلة متعددة الفوائد وذلك بتفردهم في سعة الأفق و تجاوزهم للعصبية الحزبية و تعاملهم مع الأحزاب كمنصات وطنية كلها طرق تؤدي إلى هدف واحد .

مالم يدركه الكثير أن هناك قادة في ستينات القرن الماضي و في قمة العمى الحزبي حاولوا تأسيس مدماك العمل المشترك غاب هؤلاء و بذرتهم لم تمت، و واجبنا إكمال مسيرتهم لا ردمها بحمق و غباء .

غاب عبد القادر و المخلافي و رفاقهما من جماعة النور و بعد زمن طويل من البعد عن الصواب تأسس العمل المشترك الذي كانا ينادي به عبد القادر ورفاقه كحاجة وطنية ملحة و في باكورة هذا الفعل وفي عمقه دفعنا الثمن دماء زاهية مثل دم القائد الوطني جار الله عمر ومحنة القائد (محمدقحطان) و لا نريد أن تحرق التجارب الغالية الممهورة بدماء و حياة عمالقة اليمن و تذبح بسكين جهلنا و نزقنا المسحوب من زمن الستينات والجهل والعصبية المدمرة .

واذا عجزنا عن رفع البناء فعلى الأقل نحافظ عليه كإرث وطني غال وحاجة مستقبلية للأجيال، واجبنا أن نخرج من عاصفة الريح الحمراء و دوامة التعصبات لمشاريع صغيرة .

المشاريع الحزبية إن لم تصب في واحة واحدة هي واحة الوطن تتحول إلى عواصف دمار و أدوات خراب من الأفضل إلغاؤها و حلها 
والتجربة البشرية تقول لنا إن الحزبية هي الرافعة الضرورية للدولة المدنية و للحكم الديمقراطي الرشيد و لا شي أسوأ من غياب الحزبية التعددية الراشدة سوى وجودها على شكل أحزاب عربية عمياء و جاهلة تتمنطق بالوعي الزائف تثير الدخان الأسود في وجه الوطن وتحمل العصبية العربية ولسان حالها ترفع شعار :

و نحن أناس لا توسط بيننا 
لنا الصدر دون العالمين أو القبر

فلم يكن سوى القبر للجميع كنتيجة طبيعية لمسار الحفر والتخندقات الرعنا

 

 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص