يوم امس غيب الموت اسمين لامعين في سماء الفن والثقافة الجنوبيين واليمنيين والعربيين
كان نبأ وفاة الفنان الكبير ابوبكر سالم بلفقيه صاعقا لكل محبي هذا الفنان العظيم، فبرغم أنباء مرضه بل واخبار سابقة كاذبة عن وفاته فإن وقع الخبر الحقيقي كان مؤلما رغم إيماننا المطلق بحتمية الموت كحتمية الحياة.
افقت في مطلع الستينات على صوت ابوبكر وهي يغني “يلقي عسل نوب جردان” و”يا رسولي توجه بالسلامة” وكاد هذا الصوت أن يكون الصوت المفضل لي عمن سواه من الفنانين الكثر وكل منهم يمثل قمة من قمم العطاء الفني، وعندما عرفت معاني الكلمات همت باغانيه التي ارتبطت بدخولي مرحلة المراهقة، كانت اغاني مثل “اعيش لك” ،”الحلاوة كلها من فين” ، ” ياطائرة طيري على بندر عدن”، “أنتي يا حلوة”، “وصفوا لي الحب”، “كل شي معقول”، “ص ب” ،”سلام” “نوب من جبحه” ‘ “تبنا خلاص” ، “نار بعدك” وغيرها من تلك العناوين التي مثلت ربيع الاغنية العدنية وذروة مجدها والتي نظم كلماتها الشعراء الكبار امثال لطفي امان ومحمد عبده غانم وحسين المحضار ومن في مستواهم منمالقة الشعر، فضلا عن بعض النصوص التي كتبها ابو اصيل لنفسه فهو شاعر بارع ومتذوق لانواع الادب بشقيه الفصيح والعامي.
لم يتوقف نهر العطاء الفني لدى ابي بكر بل لقد تواتر وازداد روعة وتفوقا خلال فترة هجرته وتعدد اماكن إقامته، وجاءت البوماته المتواصلة لتعبر عما يختلج في وجدان محبيه في التعبير عن شوق المحب لحبيبه وتعلق البعيد بوطنه وكانت اغاني مثل “يا مروح بلادك”، “يا سهران”، “فاقد الحب لا يعطيه” “يا ويح نفسي” “قالو لي” “يا داير الشاهي” “يوم الخميس” ،”يامسافر على الطايف” ، “يا طير يا ضاوي”، عتابك حلو” وغيرها المئات من العناوين التي لها من الوقع ما لا يدركه الملل ولا يصيبه البلى مهما تقادمت الازمنة وتوالت الأعوام.
الموت حق علينا جميعا كبارا وصغارا، مشهورين ومغمورين، لكن عندما يكون الفقيد بحجم ومكانة الفنان الكبير أبوبكر بلفقيه فأن الخسارة لا تعوض، واالمصاب أكبر من الجلل، . . . ، سيحزن الملايين لغياب صاحب الصوت الجميل والألحان العذبة والكلمات البليغة المضمون، والجمل اللحنية المتعددة والمقامات المتنوعة وطبقات الصوتية المتعددة، .، .، .، فناننا وشاعرنا وفقيدنا أبوبكر سالم بلفقيه عليه رحمة ورضوانه.
* * *
بعد خبر وفاة الفنان بلفقيه بدقائق جاءني نبا وفاة الصديق الكاتب والباحث والمثقف الأستاذ هشام علي بن علي وكيل وزارة الثقافة والرئيس السابق لمجلة الثقافة والمؤلف للعديد من الإصدارات النقدية والبحثية .
تعرفت على كتابات الاستاذ هشام وأنا طالب في الثانوية وظللت أتابع كلما يتناوله من القضايا التاريخية والنقدية والفلسفية والسياسية بإعجاب واهتمام الباحث عن المعرفة.
وفي العام ١٩٨٩م كنت وهشام معا ضمن المشاركين في مهرجان المربد للشعر العربي بمعية ثلة من الادباء اذكر منهم الزملاء شوقي شفيق ، جلال احمد سعيد، عبد الرحمن السقاف، عمر محفوظ باني، عمر بن شهاب ، لطف السماوي، نجيب مقبل وآخرين وهناك تعرفنا على إخوة لنا من صنعا كان بينهم الاستاذان الشاعران عباس الديلمي والمرحوم اسماعيل الوريث وأخرين.
كان الاستاذ هشام رئيس الوفد الجنوبي باعتباره وكيل وزارة الثقافة لكنه كان يسند المهمات لاعضاء الوفد وينشغل بمتابعة النشاطات الثقافية في بغداد، وقد تزاملنا في فعالية لاحقة في العام التالي وفي بغداد أيضا وكان هشام كعادته حيويا، متواضعا حكيما، رصينا فعالا كما كان طوال حياته.
في صنعاء بعد العام 2003م تواصلت لقاءاتنا من خلال الفعاليات الثقافية المتعدد ومع وضعه الجديد كنائب لوزير الثقافة وبرغم تعدد الوزراء الذين تربعوا على كرسي الوزارة ظل هشام هو العنصر الحاضر والثابت والمعطاء طوال اكثر من عشر سنوات عشتها هناك مشاركا بتواضع في الفعاليات الثقافية الدورية.
بوفاة هشام خسرت صديقا طالما اعجبت بشخصيته وعطاءاته المتماسكة وهدوئه المميز ورصانته غير المتصنعة وحياديته الإيجابية.
رحم الله الفقيدين الكبيرين الفنان ابو بكر سالم بلفقيه والباحث هشام علي بن علي واسكنهما فسيح جناته وصادق العزاء لأهلهما وذويهما وكل محبيهما
و”إنا لله وإنا إليه راجعون”
و”لا حول ولا قوة إلا بالله”