"جمعية الشط التعاونية/مقدمة لغنيمة كل الجنوب"
إلى عبده هزاع .... الصديق الإنسان عبده هزاع محمد اسم وشخصية فريدة ، وصديق لا ينسى ، ليس عابراً في حياة من عرفه يحفر حضوره بقوة معنى الصداقة والوفاء وسجية عطاء بلا حدود لكل من حوله ، وما تبقى من الذاكرة معه هو الكثير لأنه إنسان كثير ، قامة من كمال الأخلاق لا يمكننا استغراقها في مقالة ، ولكنها عادة التذكر والكتابة في الأزمان الصعبة، والاستثنائية ، كتابة من الذاكرة عن ذكرى إنسان كان وما يزال متوحداً بأشياء عديدة جميلة في حياتنا . ولذلك لن يأفل أو يغيب أسمه وسيظل نجمة مضيئة في سماء الصداقة وعنواناً لأسم جميل للحياة ، قبل الرحيل وبعده . حين تغادر عالمنا الخاص "الشخصي" أسماء نبيلة وفريدة في تمسكها وتمثيلها للقيم الأخلاقية والإنسانية العامة الكبيرة مثل الصديق والانسان عبده هزاع ، لايسعنا إلاَّ أن نحزن من الأعماق ، لا يسعنا سوى التحنان على مدار ذكرياتنا الطيبة والجميلة معه . عبده هزاع .. إنسان جميل ونبيل فيه من صفات شهامة الفارس الكثير دون إدعاء ، جميل ونبيل بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، لم ينتظم في الدرس التعليمي الأكاديمي مع أنه مدرسة سياسية وثقافية واجتماعية حقيقية علمته الحياة من دروسها ومن خبرتها الكثير ، فقد تمثل خلاصة القيم الكبرى في سلوكه اليومي عاش كبيراً وغادرنا إنساناً ممتلئاً بمزايا الجمال الإنساني الطبيعي . في بداية تسعينيات سنوات الوحدة تعرفت عليه حين كان عضواً في مجلس النواب عن طريق صديق العمر د/ سلطان الصريمي وتكونت بيننا علاقة صداقة شخصية متينة امتدت للتواصل العائلي فيما بيننا فترة إقامته في صنعاء ، إلى أن كانت حرب الغنيمة والفيد القذرة في 1994م التي دمرت وحدة النسيج الاجتماعي الوطني .. ومع نهاية سفر هذه الحرب الدامية والوحشية اتخذت سيرة حياة عبده هزاع مساراً آخر له صلة بتاريخ النهب والفيد والغنيمة والقمع والابتزاز من قبل سلطة الحرب التي نهبت وتفيدت الجنوب كله على طريق اقصاء شراكته ومشاركته في السلطة والثروة وهي اللعبة السياسية القذرة التي اشار إلى فصول أو لمحة منها الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر في مذكراته( ص248)،حيث كانت "جميعة الشط الاستهلاكية التعاونية" من أوائل المؤسسات الاقتصادية الاجتماعية التي تم وضع يد النهب والفيد عليها . لقد ساهم عبده هزاع في بناء صرح المجتمع الاقتصادي التعاوني في نموذج ناجح وفريد يوازي قدرة دولة الجنوب على انجاح تجربتها الرسمية في بناء الشكل الاقتصادي التعاوني. ويمكنني القول إن الفضل الكبير يعود في تشييد عمارة جمعية الشط الاستهلاكية التعاونية، إلى حنكة ومبادرة، وكفاءة وخبرة ومثابرة الصديق / الفقيد عبده هزاع الذي تمكن من الصفر في بناء صرح اقتصادي اجتماعي "تعاوني" في صورة عمل مؤسسي إداري مالي أكدت الممارسة الفعلية نجاح مشروعه الذي خدم الآلاف من الأسر "اجتماعياً / ومادياً وإنسانياً " بقدر ما خدم كل المنطقة "المجتمع المحلي" . كان ابن هزاع، يتعامل مع الصغيرة والكبيرة من حوله بندية وحساسية انسانية متساوية ، لديه قدرة فائقة على التعامل مع النفس البشرية بصورة تكشف سعة أفق اجتماعي انساني مملوء بالحب والعطاء لكل من حوله . الله ! ما أقسى الزمن وحساباته العبثية والمجنونة غير المتوقعة . حين يتكرس بطشها على الجميل في حياتنا الخاصة والعامة ، كنت أرجو من الله لو امتد به العمر ليرى بعض حقه وحق الناس من حوله يعود لهما وإليهما ، حقه في الإنصاف والتقدير، وحق الناس الذين أحبهم وغمرهم بعطفه النبيل ، في عودة حقوقهم المنهوبة إليهم فالحقوق خاصة أو عامة لاتسقط بالتقادم . لقد كابد الاستاذ والصديق عبده هزاع صنوف قهر عديدة ومحاولات إذلال لا حدود لها قاومها بكل إباء وشموخ كرامة وعلو همة لم تفتر عزيمته ولا همته لحظة في مواجهة طوفان القمع وباطل الحرب القذرة التي طالت كل شيء في الجنوب . وكان عبده هزاع و"جمعية الشط الاستهلاكية التعاونية" أولى المؤسسات الاقتصادية التعاونية المستهدفة ، والهدف هو فيد وغنيمة الجمعية بما فيها؛ أصولها ، حساباتها المالية ، وأراضيها . إن نموذج العلاقة الأمنية والعسكرية الذي ووجهت به "جميعة الشط" من خلال حصار الاستاذ الصديق عبده هزاع هو المثال والنموذج الفيدي الذي سرى على جميع الأشياء والكائنات في دولة الجنوب السابقة (ماديا واقتصاديا وسياسيا حتى الفيد الأيديولوجي لتاريخ الجنوب) . يمكننا اعتبار جمعية الشط التعاونية نموذجاً كريهاً وفاضحاً لحالة الفيد والغنيمة لكل الجنوب. كنت والأصدقاء د/سلطان الصريمي واسماعيل بن محمد الوريث وعبدالعزيز البغدادي وأحمد الجبلي ود/يحيى صالح محسن ، كنا متابعين في حالة شبه يومية لعملية وحالة الابتزاز والفيد الذي طالت "جمعية الشط التعاونية " من خلال الصديق الفقيد / عبده هزاع ومتابعاته ، حيث تعرضت أصول / وأموال وجميع ممتلكات الجمعية للغنيمة والفيد الاقتصادي ، ودون رحمة. كان عبده هزاع يقاوم رافضاً التنازل عن أصول الجمعية المنتشرة في بعض محافظات البلاد بعد الوحدة، لجماعة الحرب / والفيد ، وكانت بعض اتجاهات حركته تتم من منزلي في العديد من الأحيان حين يستدعى من "المقيل" الذي نكون فيه إلى منزل اللواء على محسن الأحمر بواسطة العقيد عبدالولي الشميري وآخرين ، حتى وصول متابعته للقضية إلى مقابلة الرئيس السابق علي عبدالله صالح لأكثر من مرة لحسم موضوع النهب وحصار الجمعية ماليا واقتصاديا والذي كان طرفاً أساسياً ومقررا في تحالف الفيد ، رغم أحاديثه الناعمة مع الصديق عبده هزاع ورسائله التي تحتمل أكثر من وجه ، والهدف ابتزازه لتقديمه تنازل رسمي عن أصول وأموال الجمعية ضمن صفقات كانت تطرح عليه للقبول بها مثل : 20% لك أو 25% لك والباقي طبعاً لجماعة الحرب والفيد ، وأحيانا ً كان يرفع له سقف الصفقة الخاصة به ، لاختبار مدى استجابته وكان يرفض كل ذلك ويأتي عارضا علينا ما تم معه من مساومات في مبدأ عدم التنازل . على طريق محاولة إجباره على التنازل أخبرنا عبده هزاع بعد أن استقبله علي صالح بأن هذا الأخير قدم له عرضاً ، وبلهجة قبلية مصطنعة فاقعة ، بالجملة التالية : "خلاص يا عبده ما إلينا وهذي النسب ، قلك 20% ، و25% خلينا نتفاهم كما القبائل ..خليها قبيلة !" وقد علق عبد هزاع على هذا الاقتراح بقوله لنا : كان يشتي يقول : ثلثين بثلث ! أي أن يتفيد الثلثين ويوحى لي بأن الثلث الثالث لي . ولكن بعدين لا بايقع لا ثلث ولا شيء ! أيش من رئيس هذا !؟. أما التهمة التي كانت توجه له أن "جمعية الشط التعاونية" ملكية خاصة بالحزب الاشتراكي الذي لم ينكر معهم مسانده ودعم الاشتراكي للجمعية من بعيد في تسهيل أمور حركته الاقتصادية ونشاط الجمعية إداريا ، وفي حركة الاستيراد لبعض ما تحتاجه الجمعية . لقد وضعت جماعة الحرب والفيد الجمعية وأصولها تحت الحراسة بحجة بعض الملايين التي استدانتها الجمعية من البنك ، رافضيين إرجاع ما للبنك بالطرق المالية والمحاسبية والقانونية العادية لأن الهدف كان نهب كل أصول الجمعية والتي تقدر بعشرات المليارات ، بقوة السلطة والأمن وعسكرة كل ما يتصل بالجمعية ، وهو عمليا ما تم . وفي هذا الاتجاه وضع رئيس الجمعية تحت الرقابة الأمنية المشددة وصولاً لاعتقاله وسجنه(وهو المريض بالقلب والسكر والضغط وغيرها)، بمثل ما وضعت أصول الجمعية التي يعود ربحها لفائدة الآلاف من الأسر الفقيرة في المنطقة ، والتي كانت من خلال عبده هزاع تقوم بأعمال خيرية عديدة في مساعدة أبناء المجتمع المحلي في المنطقة . لم أكن مبالغا و لا عاطفياً حين قلت إن عبده هزاع شخصية لا تنسى عابرة للإشياء الصغيرة ومن أنه شخصية قيمية رفيعة المستوى ، ومن أنه يمتلك روح مقاومة نادرة وكفاحية عالية قل نظيرها ودون ادعاء ، لأنني وغيري ممن كنا حوله لمسنا ذلك مباشرة . إن عبده هزاع محمد شخصية سياسية وإدارية واقتصادية وثقافية نادرة ، إلى كونه شخصية مقاومة للظلم ، ولذلك رفض الابتزاز وأشكال القمع المختلفة . كنا نرى الضغوط الأمنية تحاصره من جميع جهات القمع ، وكان لا يأبه منتظراً رسالة الموت / القتل .. لم يضعف ولم يهن .. شخصية حقا لا تنسى وسيبقى اسمه خالداً في ذاكرة من ارتبطوا به وعرفوه عن قرب .. شخصية وإنسان تأبي الأيام إلاَّ أن تجعله جزءاً لا يتجزأ من دفتر سجلها اليومي الانساني . إن صفات ومزايا ابن هزاع ومكارمه الاخلاقية بلا حدود ، فهو انسان مبادر على كل المستويات ، محب لأصدقائه، عطوف وكريم في أخلاقه ، والمهم صدقه وصراحته المحببة وتحاشيه التطرف والتعصب في تعبيره عن رأيه في السياسة وفي الناس . عبده هزاع .. شخصية انسانية فيها من السمو وعزة النفس ، ولذلك كانت الهجمه الأمنية على الجمعية وحصارها حتى نهبها في محاولة لإذلال كل المنطقة وقهرها من خلال نهب الجمعية والاستيلاء على ممتلكاتها . لأنهم لا يريدون أن يروا شيئاً ناجحاً آتياً من الجنوب (أو اي منطقة في اليمن)، بما فيه هذه الجمعية الاقتصادية الاستهلاكية التعاونية، وهنا تعملق الدور المقاوم والرافض لكل ذلك الذي جسده عبده هزاع ! كنا نرى حجم معاناته التي لم تجبره على الرضوخ ، والتنازل عن الحق وعن كرامته وقيمه الأخلاقية . لقد أوصلته جماعة حرب الفيد 1994م إلى حالة الفقر المدقع والحاجة القصوى للأشياء البسيطة والعادية لإجباره أن يكون غير ذاته وغير اسمه .. وبقى شامخاً مقاوماً كل محاولات القبول بتسهيل أمر نهب الجمعية أو تركيعه .. رحل مقاوماً وقائداً في دفاعه عن الحق والكرامة . رحمة الله عليك أيها الصديق والإنسان ، ولا نامت أعين اللصوص والقتلة .
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص