عن الحرب والسيادة في اليمن
في اليمن لم يقع الفأس في الرأس كما يقال في المثل الشعبي فحسب ، بل غاص حد هذا الفأس داخل الجسم اليمني حتى أصاب قلب السيادة الوطنية في مقتل. الإنقلاب والحرب في اليمن أنتجا واقعاً ومعطيات ( اسقاط سيادة الدولة والسيادة الوطنية ) لم تكن في حسبان الكثيرين بما في ذلك أغلب رجال السياسة الذين تحمسوا للحرب، أو حتى الذين وجدوا أنفسهم غير قادرين على إدانتها بصوت مرتفع، لاسيما وأن صخب الحماس عند هؤلاء المتحمسين، بدأ يصطاد في الماء السياسي العكر، ويوزع في نفس الوقت التهم تجاه من أراد ان يعطي لنفسه وللعقل مساحة للتفكر، بعيداً عن صخب الحماس والإنفعال أو ردت الفعل. من المألآت المؤكدة اليوم أن الحرب في اليمن لم يعد أمرها بيد اليمنيين بشكل رئيسي، لكن مأساتهم فوق ذلك تكمن بكونهم أصبحوا وقودها وحطبها المتجدد بيد أطراف إقليمية، تمارس حربها وتستعرض فائض قواها في اليمن وبدماء وأشلاء يمنية خالصة. لست هنا بصدد المساواة بين الضحية والجلاد ( إنقلاب وشرعية ) أو بين من فرض الحرب وبين من فرضت عليه في معادلة الصراع داخل اليمن ، لكني فعلاً بصدد المساواة بين قبح تلك الأطراف الإقليمية الداعمة والمتصارعة في ساحة اليمن والتي تقامر في صراعها وحروبها الغير أخلاقية والغير إنسانية ولا تبالي بأي وادي، يهلك فيه أهل الإيمان والحكمة ! عندما تتشكل معادلة الحرب على نحو ما يجعل من أي بلد، مسرح حروب لأطراف إقليمية أو دولية فإن السيادة الوطنية هي أول ضحايا الحروب وأول ثمن، يدفعه الأطراف في الداخل هو التنازل عن القرار السياسي والسيادي، وما يجري في اليمن شيء من هذا القبيل إذ لم يكن ما يجري هو عين هذا القبيل الغير معقول أو مقبول. نقترب اليوم على نهاية العام الرابع من الحرب ولا يلوح في الأفق مؤشرا حقيقيا يؤكد وجود رغبة جدية في إيقاف الحرب، وعلى افتراض أن الحرب توقفت، فإن اليمن بلا شك ستكون محتاجه لمعارك جديدة تستغرق عقود زمنية وجهود جبارة حتى يتم إستعادة سيادتها الوطنية، وقرارها السيادي المفقود، هذا في حال انتهت الحرب وبقت اليمن موحدة قادرة على تجاوز حالة التشظي والانقسام. بلا شك ، سوف تتعاظم في المستقبل القريب حاجة اليمن لمعارك استعادة السيادة الوطنية بشكل يفوق حاجتها اليوم لمعارك إستعادة سيادة الدولة لا سيما إذا انتهت هذه الحرب بالحسم العسكري لصالح طرف من الاطراف المتحاربة، ففي حال انتصار طرف الإنقلابين وذلك إحتمال ضعيف، سوف تدار اليمن من قم إيران ولن يكون حكام صنعاء سوى، مخالب قط في معادلة الصراع الاقليمية لصالح إيران، وفي حال انتصار الشرعية بهذه الميوعة السياسية التي تتغاضي عن انتهاك السيادة الوطنية وتتقاطع مع مشروع ثورة فبراير، سوف تحكم اليمن من الرياض وابو ظبي، ولن يكون حكامها سوى أحجار على رقعة الشطرنج، في لعبة طالما عرفت عبر التاريخ بلعبة الملوك والأمراء، والمفارقة أن هؤلاء الملوك والأمراء يمارسوها في اليمن منذ أكثر من خمسين سنة، لكنها في المستقبل المنظور وعلى إثر هذه الحرب ستكون أشد قبحاً وفجاجة في حق اليمن واليمنيين. كلما طال أمد الحرب في اليمن كلما وفرت الفرصة المناسبة للأطراف الإقليمية في سحب أوراق السيادة الوطنية، وتمكنهم في نفس الوقت ، من خلق مكونات لا تؤمن بسيادة الدولة، والواقع يشهد بذلك مهما حاولنا كتاب وسياسيين وإعلامين وقادة أحزاب دفن رؤوسنا في الرمال. هناك طريق ثالث يمكن أن تحفظ ماء الوجه بالنسبة لطرفي الصراع في الداخل وتمكنهم من استعادة السيادة الوطنية وسيادة الدولة بوقت قصير، وتضع الأطراف الإقليمية أمام الأمر الواقع، وهي اقتناعهم بالذهاب الى تسوية سياسية جدية، فبقايا القوة لديهم يمكن أن تخلق معادلة سياسية لا تصب بالمطلق في صالح ايران أو في صالح السعودية أو الامارات، وشرط هذه التسوية السياسية الجدية، هي القدرة على انتاج شروط الدولة الضامنة وخلق مناخها السياسي العام. والدولة الضامنة ، هي الدولة التي توافق عليها اليمنييون في مؤتمر الحوار الوطني الذي شارك فيه ووقع عليه أطراف الصراع والحرب، أنفسهم شرعية وانقلابين، قبل أن يخوضوا غمار الحرب ويجاروا أوهام القوة والنصر، والنتيجة لم تكن سوى التفريط بسيادة الدولة على مستوى الداخل وبالسيادة الوطنية للخارج .
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص