على تابوت الشهيد أديب فاروق الصلوي. .!
حين أعلنت عاصفة الحزم عن ضرباتها الأولى في ال 26 مارس من عام 2015 على عدد من المطارات اليمنية التي كان تحالف الحوافيش قد هيئها للقصف على أي موقع سيبقى مع السلطة الشرعية كان في هذه الأثناء أديب من على كرسي دراسته في السنة ثالثة كلية التجارة قسم المحاسبة بجامعة عمران يتوقد بصمت في كل جوارحه. يتواصل مع أبيه العقيد ركن فاروق عبد الله عثمان الصلوي مهندس اتصالات في قوات الدفاع الجوي اليمنية ليستعلم منه ... مالذي يجب أن يعمله.؟ فيأتيه الجواب... لقد اتجهت لمأرب وأنت كل ما هو مطلوب منك أن تقوم به الآن هو أولا أن تكمل سنتك الدراسية الجامعية. إن هي إلا بضعة أسابيع تنقضي أختبر فيها الترم الثاني ولم ينتظر حتى تظهر نتيجة إختباراته بالسنة الثالثة كما لم يتجه إلى القرية كعادته نهاية كل عام دراسي جامعي. عوضا عن السفر للقرية لزيارة أمه واخوانه واخواته وكافة أفراد أسرته وأقاربه وأهل قريته يعبء حقيبة صغيرة ببعض ملابسه وتوا يتجه متخفيا إلى محافظة مأرب. يتفاجأ أبيه العقيد ركن فاروق الصلوي من أنه قد التحق باللواء 117 المعروف بلواء العفاريت. يكمل الدورة التدريبية الأساسية ودورة تدريبية على كيفية استخدام بعض انواع الاسلحة المستخدمة في المعارك ويتلقى بعض التعليمات الأولية في التكتيك القتالي وتوا يلتحق بجبهات القتال. على مدى السنوات الثلاث من الحرب ضد الميليشيات المسلحة الانقلابية الحوثية المرتدة لم يغادر الجبهات لزيارة أسرته في قرية المكوي بمديرية الصلو. لم يترك الجبهات هناك الا خمس مرات. أربع مرات كان يعود بعدها لمواصلة فدائيته ولكنه في المرة الخامسة تركها نهائيا ولن يعود. المرات الأربع التي تكرر مغادرته للجبهات كانت على غير إرادته. كان يغادرها على إثر إصابات بليغة تعرض لها في جبهة نهم و نجا في كل واحدة منها بأعجوبة. عقب كل إصابة وأثناء العلاج لطالما كان زملاءه وضلاطه يقترحوا عليه أن يسافر لزيارة أهله في القرية وهناك يستكمل العلاج... فيأبي ويرفض ان يعود إلى القرية إلا بعد أن يتطهر الوطن من هذه العصابة الحوثية الاجرامية. وهكذا اربع إصابات طالته ، ومع ذلك يعود إلى أرض المعركة مكتفيا بالحديث مع أمه وبقية أفراد أسرته من خلال صوته بالهاتف فقط. مؤخرا ... تم استدعاء الكتيبة التابعة للواء 117 التي كانت تقاتل بجبهة نهم منذ أكثر من عامين بالعودة إلى حيث يتمركز اللواء 117 التابع للمحور العسكري بالبيضاء. وهناك يواصل أديب خوض المعارك مع زملائه ضد المليشيات الحوثية المرتدة ، ومن نصر إلى نصر وبتفان وإصرار ونكران ذات وبشجاعة ووطنية تغذت به جوارحه وتربت بها روحه من أبيه العقيد ركن فاروق عبد الله عثمان الذي تربى في أكناف قرية عرفت بمبادراتها الوطنية المبكرة. قرية كانت محط غضب السلطات الحاكمة في شمال اليمن منذ عهد السبعينيات حتى وقت ليس ببعيد. قرية المكوي ... تلك القرية التي اعتركت العمل الوطني والنضالي بكافة أشكاله وجعلت الأجهزة الأمنية والاستخبارية تضعها دوما تحت ميكروسكوب ومجهر المراقبة لكل أبناء ها الذين زار الكثير منهم المعتقلات السياسية سنوات .السبعينيات والثمانينيات من القرن الفارط. وكان ابيه العقيد فاروق واحد من ذلك الجيل الذي تربى وشب في شعاب وخلايا العمل الوطني واستطاع بأساليب شتى يطول شرحها هنا أن يلتحق بكلية عسكرية كان الإلتحاق بها عليه وأبناء قريته يعد محرما وخطا احمرا. إذن ليس غريبا أن يرتشف أديب من فاروق كيمياء النضال، وان يستلهم من تجربته المعنى الحقيقي لعشق الوطن، وان يتغذى من شرفه العسكرى الذي رفض أي ابيه أن يدنسه كما دنسه الكثيرين فالتحق مبكرا بمأرب ... نعم من هذا الأب تغذت روح التضحية لدىالابن ليلتحق به هناك بمأرب تاركا جامعته، و مع بداية السنة التالية اي 2016 كلف من يوقف له القيد للسنة الأخيرة بالجامعة حتى تنتهي الحرب. *** في البيضاء وحين كانت كتيبته تشن هجوما على المليشيات الحوثية المرتدة في جبهة "قانية" وفوق تبة تعرف ب تبة الشهيد " خدار الخميس" أصيب بطلق قناص على رأسه ليودع الجبهات للمرة الخامسةلكن هذه المرة ليس ليعود إليها وإنما يودعها وداعاً نهائيا كنتيجة طبيعية لمن يحملون أكفهم في أرواحهم لتقديمها ثمنا لقادم الوطن الذي يتوقون إليه أن يكونه وطنا مثله مثل بقية الأوطان التي تنعم بالعيش في شروط الحياة المستقرة الآمنة. *** رحل أديب وفي القلب غصة خاصة لدى أسرته التي كانت تنتظر عودته مكللا بأكاليل الانتصار. رحل أديب مع فجر وطن لا يزال الوطنيون يسكبون له الدماء ويزينونه بالاشلاء. رحل أديب وستبقى أمه المسكينة وأخوانه وأهل قريته غير مصدقين انه قد رحل ولن يعود ، وانه قد فداهم وفدا مستقبل هذا البلد بروحه التي لم يجد هبة يحبوه بها غير روحه الدامية كمئات من خيرة الشباب الذين لايزال فجر هذا اليمن يزفهم قربانا من أجل انبلاج أشعة شمس الضحى التي لا تشع أنواعها الا بصناعة أيادي الأبطال ، وبقيمة نفيسة هي دماء واشلاء الشهداء والجرحى وعرق المناضلين. رحل أديب مقبلا غير مدبر يوم الثلاثاء 4 سبتمبر 2018 مقبلا باتجاه العدو غير مقبل أو مدبر هناك في محافظة البيضاء في جبهة قانية ... ما كان على ابيه العقيد ركن فاروق الا ان يشد الرحال من تعز التي مازال منذ أكثر من عام وهو يحاول ترتيب وضعه فيها متنقلا وراء راتبه تارة لدى قيادة المنطقة العسكرية الرابعة وتارة لدى قيادة محور تعز بعد أن ترك المنطقة العسكرية السابعة بمأرب والتحق باللواء 35 مدرع الذي وجه مذكرة تطالب بضم راتبه للواء بهدف الاستفادة منه في جبهة الصلو التي ينتمي إليها وهاهو لا يزال يجري بعد راتبه بسبب الإشكاليات التي تسبب بها الروتين الوظيفي العسكري بمحور تعز والمنطقة العسكرية الرابعة. هوذا العقيد ركن فاروق يتوجه من تعز إلى محافظة مأرب يوم الثلاثاء بمجرد أن جاءه النبأ باستشهاد أديب كيما يواري جثته هناك في مقبرة الشهداء يوم الجمعة 7 سبتمبر. ويا ألله كم لمست في هذا القائد العسكري من تواضع وبساطة ومعرفة عسكرية خاصة وشجاعة مبطنة خبرتها تجارب النضال الوطني الشاق للأسف في بلد لاتزال معايير معرفة آمثاله غير متاحة للاستفادة منه وأمثاله الذين لايجيدون فنون الانتهازية والتسلق على حساب القيم العسكرية والوطنية التي تشربونها تشربا يمنعهم أن يطالبوا بما هو حقا لهم في أن يكونوا هم قادة وحملة روافع بناء الجيش الوطني باعتبارهم الخلاصة والنقوة التي بقيت ولم تتلوث من الجيش السابق والتي يفترض أن يعتمد عليها في بناء الجيش الجديد. نعم وانا اتصل به لتعزيته ... لكم شعرت بنبرة العناد في صوته والمكابرة الإيجابية في مثل هكذا مواقف لاسيما حينما يكون الفاقد فلذة كبده رجلا وقائدا عسكريا وكأن لسان حاله يقول: مالتحقنا بهذه المؤسسة الا ونحن نعلم أن يوما سيأتي وسنجود في سبيل حياة هذا الوطن بأرواحنا.... لكن ما كنت أتوقع أن الذي سيجود بروحه يكون أديب لا أنا. نعم كأن لسان حاله كان يريد أن يقول ذلك. لهذا اقول له : لله الخيرة فيما اختار... فلا يختار إليه إلا لحكمة ولا يبقي على من يشاء إلا لحكمة.... لهذا اختار أديب واستبقى فاروق لحكمة لا يعلمها غيره. *** رحم الله الشهيد أديب فاروق عبد الله عثمان الصلوي، وكل الشهداء الراحلون مع شهقات الفجر وتنفسات صباح وطن لا ريب أنه سيكون بحجم تلك التضحيات الكبيرة . وعزائي لرفيق الدرب والنضال وصديق المسارات الوطنية الشريفة الأخ العقيد ركن فاروق عبدالله عثمان الصلوي ولكافة أفراد أسرته وأقاربه وزملائه ومحبيه وأن الله يربط على قلوبهم بالصبر والسلوان مجد وورود وسلام على روح الشهيد وكل شهداء الوطن، ولا نامت عيون الجبناء.
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص