بين خيار أن تكون مناضلا أو لصا ... !
حينما تكون الفرص المتاحة لديك لأن تعيش حياة أمنة مع أسرتك فرصا غير شريفة فرفضتها ﻷنك عشت حياتك كلها مناضلا شريفا... لا تظن أن العالم سيعرف بتضحيتك تلك، وأن أحدا ممن يحيطون بك سيشعر حتى بمقدار معاناتك أمام المتطلبات الأساسية. عليك أمام نزاهتك في واقع تغلقت فيه كل أبواب العمل والدخل أن تتلذذ بإهانة ذاتك وأسرتك كل لحظة وساعة ويوم حتى تضمن الحصول على الفتات او اللقمة. *** وأنت ترى نص دزينة من أبناءك الصباح يتحفحفون للذهاب الى المدرسة... ستلعن النضال واﻷدب والفكر والثقافة التي أوصلتك إلى حالة العجز المطلق في أن تعطي هؤلاء الذاهبين الى المدرسة أدنى ما يستلزمه نجاح يومهم الدراسي من من أقلام ودفاتر ومناظر تنم عن أنهم طلاب مدارس خاصة إن كنت وهم مشردون إلى مكان غير مكانكم اﻷصلي. حينما ترى أن كل من أنت مسؤول عنهم لا يوجد اي واحد منهم إلا وبه مشكلة صحية من نوع ما، وأنت تراه يتعلل ويتحلل أمامك مع ابتسامة وأنت عاجز على فعل أي شيء له سوى انتزاع ابتسامة بريئة منه بأن يصبر قليلا ريثما تنتهي الحرب وتستعيد مرتباتك وسوف تعالجه وتعوضه بكل ما هو محروم منه الأن. *** أمام ذلك وغيره الكثير الكثير من المآسي التي تشل تفكيرك مع كل تنفس من تنفسات ليلك ونهارك، وتستهلك صحتك وعمرك... وليس ثمة خيارات غير خيارات التنازل عن نزاهتك وعفتك فتقبل بما هو خطأ وتصمت عنه بل وربما الدفاع عنه وتبريره لكي تتجنب إذلال الدهر لك، وتكف عن تسول العيش أمام أبواب عباد الذات وعاشقي اذلال الشرفاء. *** ذلك الخيار ... كثيرون يلجئون إليه وينجحون فيه... ولن أنتقدك إن أخذت به فهذا الزمن هو أفضل أزمنة بيع المبادئ والقيم في أسواق النخاسة اللأخلاقية واللاوطنية، وﻷن الخيار الأخر سيكون أسوأ كثيرا ﻷنه خيار الانصراف المجحف بحقك من الحياة. ويا ليته من انصراف ناعم وسلس وذو قيمة. انه رحيل كما قلت مجحفا يا ليت تبعاته تقف عند تخوم الوداع وكفى. بل ستلقي ظلال نتائجه المأسوية على كل فرد بأسرتك. *** أنت في زمن ومكان يتسمان بخلاصة القبح الانساني. لن يقال او يتساءل ما الذي جعله يختار الرحيل على هذا النحو المؤلم لحياته... فنحن في بلاد لم يتعلم أهلها أن يطرحوا الأسئلة الطبيعية على عقولهم، ويتجردوا في البحث عن الاجوبة المتعددة الدقيقة المناسبة لها، وإلا لكانوا من زماااان قد تجاوزوا خطيئة اعادة انتاج ماضي الصراعات والحروب وما تخلفهما من مصائب ونوائب وانكاد عيش وضنك للناس. نعم لن يتسائلوا عن اختيارك للرحيل، وانما سيرونه جينا مغروزا في تكوين من ستخلفهم بعدك مصدومين... وهكذا سيتحمل ابناءك وزر رحيلك عبئا فوق ما كانوا عليه وانت معهم حيا. لهذا لا أنصحك بهكذا خيار. *** وحتى الخيار الثالث ... وهو الاتفاق بالرحيل معا... انت وهم عبر مأدبة غداء أخير للحياة، أو وجبة العشاء الأخير. حتى هكذا خيار غير مناسب البتة فأنت في وقت وبلد ما أكثر من يرحلون بصمت مؤلم باستخدام هذا الخيار. طبعا ... لم يعد خيار أن تهاجر وتسيح في أرض الله ممكنا. أرض الله تقسمت وصار لكل قسم منها أبواب، وأبواب. *** غير ممكن أن تخرج من أرضك عبر تلك الأبواب التي صارت مغلقة مغلقة. كان اليمني يهرب مهاجرا الى ما وراء البحار والقارات، وكان مرغوبا به لكن من يوم جعل هجرته الى أفغانستان، وبعدها إلى إيران وعاد منهما حاملا شعارات معادية للحياة صارت فرص الهجرة مغلقة في وجهه حتى عند جيرانه إلا ما رحم ربي. *** لا خيار أمامك غير الخيار الأول وهو أن تكون تلميذا مهذبا في مدرسة تجار الحروب. أو خيار أن تتحلل وتتفتت ببطئ في مدرسة النضال وعشق الوطن، وأنت ذليل مهان فذلك هو قدر المناضلين الشرفاء الحقيقيين عبر كل الازمان خاصة في كل الأوطان الناطقة بلغة الضاد حيث دورات انتاج الماضي والظلم ونهب الحقوق وسرقة نضال وتعب الشرفاء صفة ضاربة جذورها في أطناب الأرض، والتاريخين العربي والاسلامي. *** بالنسبة لكاتب السطور لاشك أن الخيار اﻷنسب له هو أن يبقى مرابطا على ثغر القيم المثلى والمبادئ الكبيرة مع أنه يعي جيد أنه سيتجرع كثيرا نتائج تلك القيم والمثل مرا وعلقما كما يتجرعها الان. لن أقول لكم اخيرا.... نعم ... لن أقول أخيرا ... لكنني سأقول.... لكم لينظر أحدكم أي خيار يناسبه.... وكل امرئ مسؤول عن كل اختياراته...فقط ألا يكون طريق النضال الذي اختاره هروبا من التزاماته الأخلاقية ناحية أسرته وإنما طريقاً اختطته من أجل انبلاج أشعة شمس جديدة للحياة على ظهر هذا البلد التواق للحياة منذ عشرات القرون. ............. استوحيت فكرة هذه المقالة. .. بعد دردشة أمس بيني ومناضل فاجئني قائلا: يا سروري... لديا قائمة أسماء ممن ناضلنا معا منذ بداية الحرب هذه بالجبهات وقبلها كنا معا بساحات التغيير والحرية أيام الثورة. والان اصبحنا فائضين عن القيمة. أصبحنا مفصولين في صنعاء من وظائفنا ونجري بعد رواتبنا بعدن منذ نصف عام دونما جدوى. والجبهات استغنت عنا بدواعي ان المقاومة صارت جيشا والجيش لم يستوعبنا تارة بحجة أننا صرنا كبارا بالسن، وتارة اخرى ﻷننا موظفين، وتارة ثالثة أننا لسن ننتمي لحزب قوي يضارب علينا مع أننا نحن من صمد من البداية ﻷننا خرجنا ونحن نحمل قضية. الأن اولادنا واسرنا في حالة يرثى لها، ومنازلنا نهبت بصنعاء ولا نستطيع العودة لها. تألمت لهذا الواقع الذي باته هؤلاء الاعزاء عزة نفوس المناضلين الشرفاء فكتبت هذه المقالة ليس عني وانما عن كل مناضل شريف بهذا البلد.
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص