اتسع صدر الإخوة الأعزاء في جمعية الضالع الاجتماعية الخيرية بدعوتهم لي لأقول ما عندي عن الأوضاع الجارية المعاشة ، والتقيتهم يومي الثلاثاء 20 نوفمبر والجمعة 23 نوفمبر 2018م، في جلسة مقيل ، وتركز حديثي عن العرب بشكل عام ، وأن شهيتهم للقراءة تكاد تكون معدومة ، ولذلك لا يتابعون تجارب المجتمعات الأخرى في البناء ولم يقدموا حتى الآن قراءة موضوعية منصفة حول ما لهم وما عليهم، لأن التاريخ عند العرب يكتبه المنتصر ولذلك فهو يقدم صورة زائفة عن تجربته.
قلت أن ماضينا كان ماضي مدينة عدن وسلطنات ومشيخات وإمارات حصرت في محمية عدن الغربية ومحمية عدن الشرقية ، ولكل منها نظامها ودستورها ومواردها ، وتفاوت التطور من منطقة لأخرى.. كانت عدن مدينة جسدت الجغرافيا والتاريخ والثقافة والصحافة ومنظمات المجتمع المدني ، وكانت حاضنة على مستوى الجزيرة والخليج والوافدين إليها من الشرق الآسيوي والشرق الأفريقي.
قلت أن كل المنعطفات التي أقحمت فيها عدن منذ الستينات حتى يومنا هذا وراءها قوى استخبارية دولية وإقليمية ولم يحضّر الجنوبيون أنفسهم للكتابة أو إعداد قراءة موضوعية لتاريخهم ، كان هناك اتحاد فيدرالي ضم معظم الكيانات الجنوبية باستثناء سلطنتي حضرموت القعيطية والكثيرية والمهرة.
اعتمد الجنوبيون (في غالبهم) الكفاح المسلح ومررنا بتجربة مؤسفة عندما تخللت التجربة اغتيالات شملت عناصر أمنية تعمل في أجهزة رسمية وشملت معها عناصر من الخصوم ، خذ على سبيل المثال سقوط المناضلين الوطنيين علي حسين قاضي ، وعبدالله عبدالمجيد السلفي.
ثم خضنا اقتتالين أهليين: الأول في الفترة من 6 سبتمبر 1967م، والثاني في 3 إلى 6 نوفمبر 1967م، وجاء اعتراف قيادة الجيش الاتحادي بالجبهة القومية وكان الاعتراف بمثابة كلمة حق أريد بها الباطل ، والباطل هنا هو الفيد ، حيث هجمت القبلية على بيوت الإنجليز في خورمكسر ومنطقة الفتح بالتواهي وصلاح الدين في البريقة.
سقط قتلى وجرحى في كل المعارك المذكورة وفتحت المعتقلات في عدن ولحج وأبين بل وحتى الضالع (من ضمن المعتقلين كابتن أحمد قيراط وكابتن ناصر هادي من نادي الشبيبة المتحدة "الواي") ، أما النازحون فقد بلغ تعدادهم بالآلاف إلى مدينة تعز.
ثم دخلنا في الاستقلال يوم 30 نوفمبر 1967م، ثم تشظت الجبهة القومية إلى أنصار وخصوم وسموا الخصوم بعناصر اليمين الرجعي في 22 يونيو 1969م، ثم استهدفوا رفاقا لهم تحت مسمى اليسار الانتهازي ، وسقط الشهيد سالم ربيع علي وجاعم صالح وعلي سالم يوم 26 يونيو 1978م، ثم أحداث 13 يناير 1986م، وسموا خصومهم (علي ناصر محمد باليمين الانتهازي) واتضحت لنا الصورة لاحقا أن لا قحطان الشعبي يمينا رجعيا ولا سالمين يسارا انتهازيا ولا علي ناصر يمينا انتهازيا.
وشهد الجنوب حركة نزوح ثالثة إلى الشمال ودخلنا بعد ذلك نفقا مظلما يوم 22 مايو 1990م، وتم التآمر على أفضل الوحدات العسكرية المنتقلة من الجنوب إلى الشمال (عمران وذمار) ثم انتهى تآمر الفترة الانتقالية إلى حرب صيف 1994م، واحتل الشمال أرض الجنوب يوم 7 يوليو 1994م، ولم يكن بقوى عسكرية من الشمال لأن الشمال لم يكن في يوم من الأيام ندًا للجنوب بل كان انتصار الطغمة على الزمرة ، لأن حينها الجنوب كان مشهودا له وعندما كانت العلاقات تحتقن مع السعودية كنا نرى جيشا باكستانيا على الحدود ، وعندما كانت تحتقن العلاقات مع سلطنة عمان كنا نرى جيشا إيرانيا على الحدود ، أما جيش الشمال فكان عبارة عن تورتة "تقابلها شفرة"، (جيش الجنوب) والتورتة لا تلزمها شفرة لأن الشفرة تقطع بها رؤوس الثيران أو الجمال.
نقطة الضعف عند الجنوبي أن النسيج مشرذم وليس موحدا ، أي أن النسيج مثلا في كوبا واحد وفي فيتنام واحد وعندنا القبيلة ، والقبيلة يعرفها علم الاجتماع السياسي : "كائن كونفدرالي لا يقبل الاندماج".. القبيلة تتعاقد وتتعاهد ومنتوج العلاقة بانعيد أو القبر.
أنصح الجنوبيين بإعداد قراءة جادة لتاريخهم وأن يستشرفوا الرؤية لمستقبل جديد وضاء ، وعليهم أن يتقاربوا من خلال الأعراس أو المآتم وشاركوا في حضور الأعراس حتى وإن كنتم غير مدعوين وشاركوا في حضور المآتم وقدموا عددا من الخرفان أو الماعز لولائم الغداء أو العشاء على روح الميت من هذه القبيلة أو تلك.
استحسن الإخوة في الجمعية قراءتي وفكرتي ونصحوني بتقديم خارطة طريق لهذا التقارب من أجل جنوب فيدرالي جديد حتى نلحق بركب الأمم التي كانت عند درجة الصفر وأصبحت اليوم رقما يشار إليها بالبنان وخذ على سبيل المثال "رواندا" Ruanda وطالبوني بالتواصل معهم حتى نصل بمشروعنا الحضاري إلى بر الأمان.
إلى لقاء آخر يا معشر الجنوبيين..