من أشعل ثورة 11 فبراير 2011 ضد نظام علي صالح مئات من الطلاب والشباب في صنعاء وتعز، ولحقت بهم مواكب الثائرين في بقية محافظات اليمن.
بدأت الثورة شبابية، قبل وثبة أحزاب اللقاء المشترك، المعارض حينها، إلى ساحات الحرية والتغيير ومصادرة قرار الثورة، وإزاحة شبابها من المشهد، وفرض وصايتهم عليها، والتفاوض باسمها، والمتاجرة بتضحياتها.
فشل الثائرون الأوائل في مهمة الحفاظ على شبابية ثورتهم في مواجهة خبث الأحزاب المسنودة بنصف النظام السابق وتمويلات الخارج، وترتب عن خبثهم ضياع الحلم الثوري في عز ربيع 2011.
بعد تفجير جامع النهدين، والهجوم على المعسكرات، وإسقاط صعدة بيد الحوثيين، ضربت الثورة المضادة المسمار الأخير في نعش سلمية 11 فبراير، وتحولت الثورة إلى أزمة سياسية في دهاليز التسوية الغادرة بين الأحزاب والسلطة.
وقع الأحزاب والمنشقون عن النظام السابق في شرك المخاوف الإقليمية والحسابات الدولية، واقتيدت 11 فبراير إلى نفق التسوية السياسية، ومنحت الأحزاب زعيم وأركان النظام الحصانة مقابل نصف حكومة.
وتوج الانقلاب على ثورة 11 فبراير بتنصيب عبدربه منصور هادي رئيساً للجمهورية عبر انتخابات صورية، وتهرب جميع الأطراف من إجراء انتخابات برلمانية، لأنها كانت ستشكل معادلة سياسية جديدة في البلد.
وضعت الأحزاب والمنشقون على النظام بيضهم في سلة عبدربه منصور هادي، وخابت حساباتهم، وفشل الرجل فشلاً ذريعاً مع حكومته الهجينة والفاسدة في تلبية تطلعات الشعب بتجاوز الماضي الكئيب، وصون الجمهورية.
تزايدت الهواجس الأمنية والسياسية الإقليمية من رياح ثورات الربيع العربي عموماً، وثورة فبراير على وجه الخصوص، وشكلت أحقاد زعيم النظام السابق، وغباء الأحزاب، وسوء إدارة الرئيس هادي لمؤسسات الدولة الظروف المثالية للنكسة الكبرى.
استغل الحوثيون تلك الهواجس الإقليمية والرغبات الدولية والأوضاع المحلية الرخوة وصراعات قطبي السلطة التوافقية للانقلاب الدامي على الجمهورية، وإشعال حربهم التوسعية في البلاد بذريعة محاربة الإرهاب والقضاء على التطرف.
وبعد قرابة نصف عام من الانقلاب تشكلت ظروف إقليمية ومحلية جديدة، وانطلقت عاصفة الحزم وبعدها الأمل، ولم تتوقف المعركة بين الشرعية والانقلاب حتى اليوم رغم مرور أربع سنوات عجاف على النكبة الكبرى.
والجديد في تقلبات الحرب المستمرة، التحاق أنصار الرئيس السابق وحزبه بقوى الشرعية والمناهضين للانقلاب، وهذا الأمر يترتب عليه واقع سياسي غير ثوري، وقطبي المعادلة اليمنية الآن سلطة شرعية وجماعة انقلابية وليست ثورة شبابية وثورة مضادة.
يمكننا القول اليوم خرجت اليمن من مرحلة ثورية حالمة إلى وحل الموت والجوع والمرض بفعل نكبات الانقلاب والحرب وقبلهما التوافق المائع، والمعطيات المحلية والتخندقات الإقليمية والحسابات الدولية تؤكد ذهاب البلاد نحو منزلق أسوأ مما هو الآن.
المضحك المبكي، يحتفل من باع تضحيات الشباب في أسواق النخاسة السياسية بذكرى الثورة فبراير، ولهم أهدافهم الخاصة، بينها، إبقاء ثورة 11 فبراير سيفاً مسلطاً على رقاب منافسيهم في كواليس المحاصصة داخل الشرعية، وتحديداً المنشقون الجدد.
ثرنا ضد نظام فاسد، فشكلوا مافيا فساد أقذر ممن ثرنا عليهم، ورفضنا وجود الجيش العائلي والقبلي، وها هم يبنون جيشاً عائلياً، وأصبح لكل شيخ محور عسكري، وبدورهم ورثوا أولادهم ألوية عسكرية.
حلمنا بإنهاء مركزية السلطة، ومن يقدمون أنفسهم قادة ثورة يدينون بالولاء المطلق والتبعية العمياء لعصابات الهضبة بشقيها القبلي والمذهبي، وهناك كثير من الحقائق على بُعد أفعالهم عن حلم شباب 11 فبراير.
هذا ما أحببت تدوينه بشكل موضوعي عن مراحل انتكاسة الثورة وخيانات المتحزبين المحتفلين بها، وهدفي تذكير الثائرين الأنقياء بحقائق الأدعياء تزامناً مع الذكرى الثامنة لثورتنا المغدورة.