إن حالة الإزدواج الفكري لدى البعض من الجنوبيين سببه يعود لبعض النخب التي فشلت سابقا والآن تريد تمرير مشاريعها السياسية , بغض النظر عن وحدتنا مع شمال اليمن وما شابها من ظلم وتهميش وإقصاء وضم وإلحاق , يجب أن تبقى الهوية اليمنية بعيدة عن المناكفات السياسية والحزبية .
فجنوب السودان فضل الاحتفاظ بهويته بعد إنفصاله عن شمال السودان رغم عدم التجانس بين الشطرين عرقيا ودينيا وحتى ثقافيا ولغويا , وكذلك الكوريتين والالمانيتين وغيرهم , تبقى الهوية رمز للوطنية وعنوان بارز يفتخر به كل وطني غيور .
لم تكن الوحدة هي الجاني , فالوحدة هدف نبيل وسامي يسعى لتحقيقه جميع بني البشر , بل من سعى إلى الوحدة اليمنية بدون رؤية هو الجاني , سعوا إلى الوحدة بنية السيطرة على الشطر الأضعف والاستحواذ عليه بالمكر أو بالقوة , ظن الحزب الإشتراكي بأن الفرصة مواتية وكذلك على عبدالله صالح فعل , الكل كان يراها الفرصة التي لا يمكن تعويضها وعليهم الانقضاض على الوحدة دون تردد , والكل دفع ويدفع أثمان باهضة لتلك النوايا الخبيثة , لكن الشعب الجنوبي وحده دفع ثمن باهظ جدآ لتلك المغامرات غير محسوبة العواقب والنتائج .
اليوم دخلت بنقاش مع صديق بسبب أن مذيع إذاعي قال وعبر الأثير أن مدى تغطية الإذاعة يصل من عدن إلى صعدة وإلى حدود عمان , قال صديقي صعدة يمنية ونحن جنوب عربي , قلت له غالبية الشعب أمي وبسيط , ولا يمكن أن يستوعب قياس الأميال أو الكيلومترات ولن يستوعب إلا بهذه الطريقة , وثانيا هكذا يقاس مدى التغطية على مستوى العالم , ولكنه أصر على موقفه .
يا عزيزي مشروع الجنوب العربي أو الإنفصال أو فك الإرتباط في مراحله الأولى عمليا ولكل حادث حديث , ويجب أللا نسبق الأحداث بل نجاريها لنعرف كيفية التعامل معها أو الخروج منها بأقل الخسائر , إذا كنا وبشق الأنفس وبعد مخاض عسير إستطعنا تدشين الإذاعة من عدن والقناة التليفزيونية لا نعلم متى ستدشن .
اليوم قرارات الشعوب المصيرية ليست بيدها كما تظن , ولا يعد ذلك خيانة أو تخاذل أو خوف , مصالح العالم تشابكت وتقاطعت مع مصالح الأوطان وحقوق وحريات الشعوب , فمن لا يملك قوته أو قوته ( بتشديد الواو ) أو ثروته لا يملك قراره .
الحرب اليمنية درس عملي بليغ يجب عدم إضاعته بالمهاترات والمناكفات , يجب أن نتعلم بأن الدول العظمى مهما كانت درجة تحالفك أو صداقتك معها أو قربك منها ستتخلى عنك عند أو منعطف قد يهدد مصالحها الخاصة , ستتعرض للابتزاز السياسي كحال الأمم المتحدة مع التحالف , أو للابتزاز المالي كحال التحالف العربي مع الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية وحتى العربية المشاركة ضمن قوام التحالف العربي , يجب أن تؤخذ كل تلك التحديات والمنعطفات بعين الإعتبار , ولتفاديها مستقبلا .
الجنوب العربي أو المحتل اليمني أو الشقيق اليمني أو الجارة اليمنية كلها مسميات تسيء إلينا أمام الإقليم والعالم بهذا التوقيت , ونحن في الجنوب مازالت في محافظنا وحقائبنا بطاقة الهوية وجواز السفر وشهادة الميلاد وشهادات التعليم من الأساسي وحتى الجامعي وعقد الزواج والطلاق وكرت السيارة ووووووووو مكتوب عليها الجمهورية اليمنية , بعد أن ننفصل أو نفك الإرتباط ونختار إسم جديد لدولتنا حينها فقط يحق لنا الحديث والخوض في هذا الأمر .
قضيتنا أقرب للانفصال منها إلى فك الإرتباط كمصطلح قانوني لدى القوانيين والأعراف الدولية بسبب أننا قد أصبحنا جزء لا يتجزأ من أراضي وشعب الجمهورية اليمنية عن طريق إتفاق أو عقد مبرم يسمى وثيقة الوحدة اليمنية , الذي تم برضى الطرفان دون إكراه أو عنف والعالم أعترف بذلك وأنتهى الأمر .
أما فك الإرتباط فينطبق على الوحدة الكونفدرالية كالاتحاد الأوروبي , وكما نشاهد المخاض العسير الذي تمر به بريطانيا للخروج من الإتحاد الأوروبي رغم أنها لم تشارك بوحدة اليورو وفضلت الجنيه الإسترليني , ومع هذا يتطلب خروجها إتفاق يرضي الطرفين وعلى مراحل ولسنوات , صارحوا هذا الشعب بحقيقة واقعه ولا تتركوه يتوه بين أحلام اليقظة وكوابيس الأحلام في المنام .
لا يوجد أي مسؤول أو متنفذ شمالي في المحافظات الجنوبية المحررة اليوم , إذا ما الذي يمنعنا من تغيير كل تلك الوثائق سالفة الذكر بوثائق جنوب عربي أو يمن جنوبي .
الذي يمنعنا هو تصادم تلك المشاريع المستقبلية مع مصالحنا الواقعية الضرورية الحياتية , لا يمكن أن تعيش وتمارس حياتك بوثائق غير معترف بها محليا وإقليميا ودوليا , ولن ينجح أي مشروع تحرري بغير دعم إقليمي ودولي , وعلى النخب السياسية الكارثية مراجعة حساباتها ومراعاة الله بهذا الشعب الطيب حتى السذاجة , والعاطفي حتى الثمالة .
يكفي هذا الشعب معاناة ونكسات ونكبات ومغامرات وحالة الإحباط التي يعيشها كانت ولازالت بسببهم , وبسبب بني جلدتهم الذين يحكموهم اليوم بأشد قسوة وسوء من ذلك الشمالي , يرفعون سقوف مشاريعهم عاليا لأنهم خارج الوطن , ولا يهمهم أو يعنينهم لو سقطت تلك السقوف على رؤوس شعبهم ووطنهم وتم سحقهم وأصبحوا في خبر كان .
أثناء الحرب بقي الشرفاء وهرب الجبناء , وكنا نحن الفريق الأضعف الذي كاد أن يهزم شر هزيمة , وكانوا قادتنا وزعمائنا هناك على بعد عشرات الآلاف من الكيلومترات متفرجين وينتظرون صفارة نهاية المباراة كالعادة ليوبخوا فريقهم الخسران بسبب ضعف أدائه وقلة حيلته وعتاده , ويهنوا الفريق الرابح كما جرت العادة .
عاصفة الحزم أغرتهم وأجبرتهم أن يشجعوا ويهتفون بصوت عالي من خارج وطنهم بعد أن ضمنوا نتائج المباراة سلفا , إنها الانتهازية تتجلى بأبشع صورها .
لو كنتم فعلا زعماء ومناظلين أحرار , ويهمكم قضية الوطن والمواطن تعالوا إلى أرض الوطن وتلمسوا معاناة شعبكم عن قرب , لا يوجد مناضل عن بعد ( بضم الباء ) ويحمل جنسية دولة عربية أو أجنبية وأقسم اليمين على أن يكون مواطن صالح لتلك الدولة ويلتزم بقوانينها , لا عوائق أو موانع تحول دون عودتكم لوطنكم إلا أن تكونوا قد تخليتم عن خيار العودة للأبد .