مشكلتنا ليست مشكلة خلافات سياسية أو دينية؛ إنما هي في المقام الأول مشكلة وعي زائف لدى قطاعات مختلفة من المجتمع اليمني تجعلها لا تدرك قيمتها الإنسانية. إن من شأن حدوث وتطور وعي حقيقي أصيل أن يقود إلى ثورة فكرية تنهض بالمجتمع من قاع التخلف الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي الذي نعيشه في هذا البلد المنكوب منذ عقود. لكن، وكما هي الحال اليوم، عندما يصبح المواطن غائب الوعي، فإنه يغدو سلعة للنظام السياسي الحاكم، أياً كان، يستخدمه كيفما شاء، ومن تلك الاستخدامات أن يصبح المواطن أداة لتحقيق انتصارات للنخب السياسية وللجماعات الدينية. يضحي المباح وفقره المدقع مصدر ابتهاج لتجار الحروب.
إن حشد كثير من الشباب إلى جبهات القتال والهلاك في اليمن متأت من غياب الوعي بقيمة الإنسان لدى الحاشد والمحشود. في هذا البلد الذي تبلغ فيه نسبة الأمية الصريحة، عدم القراءة والكتابة، نسبة تقدر بأكثر من نصف السكان، يشوه وعي الإنسان وتشوه القيم التي ينبغي أن يكرس من أجلها حياته. فعوضاً عن أن تكون الحياة من أجل خير الذات وخير غيرها هي الغاية أصبح الموت هو الغاية. وبسبب الفقر وسوء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية أصبح الانتحار المبرر دينياً هو الخيار. إنه انتحار متسام. يحاول فيه المنتحر أن يرقى من وحل عيش مقرف متعب إلى درجات عليا في عالم المثال.
واقع الحال هذا يؤسس لمجتمع خاوٍ من الداخل ضعيف لا يصمد أمام مواجهة المصاعب ويخسر عند أول جولة من محاولات التطور والنهوض. في مجتمعنا اليوم المجتمع مقسم إلى طبقات وفرق وتسود التفرقة العنصرية. الطبقة الحاكمة بسيف المعز وذهبه مستبدة وسادرة في طغيانها. وهي و إن ادعت الوطنية، فإنها مسنودة من طغاة من الأقليم وخارجه. إن نتيجة سنوات طويلة من التجهيل والتركيع لأفقر شعب في الجزيرة العربية هو ما نراه اليوم من سيادة الفوضى والفقر والجوع والمرض والارتهان لمليشيات دينية و لأنظمة استبداد خارجية. آلاف المدارس معطلة وملايين الطلاب خارج تلك المدارس، وهم عرضة لناهبي الإنسان وللمتاجرين بالأحلام تحت دعاوى طباوية كاذبة.
لن تزول هذا الورطة الوجودية في اليمن إلا بوعي مجتمعي وبحركة فكرية نقدية مسلحة بالمنطق والعلم الحديث بمختلف توجهاته الطبيعية و الإنسانية. إن المجال الثقافي هو مجال الفعل الحضاري التغييري الخلاق. ومن هنا يأتي دور النخب الفكرية اليمنية في إحداث تغيير فكري وبالتالي سياسي واجتماعي. وحتى يتحقق الوعي الفكري و الثقافي فإن تياراته يجب أن تنبع من مصادر انسانوية فكرية مختلفة ومتعددة وغير محدودة بحدود سياسية أو ثقافية. وإلى ذلك يجب أن تناقش الأفكار المختلفة في جو ديموقراطي متاح لكل ذي رأي. ومن حسن حظنا اليوم أن لدينا فضاء وسائل الاتصال الحديثة التي تتيح للجميع أن يعبروا عن آرائهم، غير أن صوت المفكرين اليمنيين النقديين والتنويريين، على وجه الخصوص، يجب أن يصل إلى العامة من خلال الوسائل المختلفة المسموعة والمرئية والمقروءة، فعسى أن نرى بشائر صبح تتبدد فيه سدف هذا الظلام الذي ران على وعينا وعلى إدراكنا لمصالحنا ومصالح أجيال قادمة.
أحمد أنيس الدبعي
ناشط يمني