زخات متناثرة في ذكرى ميلاد والدي .. لبنى عون

1

استهلال

لا تفهم يامن تقرأ هذه السطور أنني أستجلب منك الشفقة لحالة اليتم التي يتركها رحيل السند الذ ي لا يمكن يمكن أن يعوض بأي سند أخر.

لا تفهم أني أتسول منك كلمتين قد تكون حقا ﻷي متوف أن تلحقه كلما أتى اسمه فوق لسان''الله يرحمه''.

نعم لا استجلب الشفقة ولا اتسول له الرحمة، بقدر ما استجلب معان اخرى أجبر على استحضار مواقفها كل عام لما لها من دلالات استثنائية في ذاكرتي يصعب أن تنطمر في عوالم النسيان.

2

ذاكرة الفقد

سيبقى يوم الثالث من مايو من كل عام اليوم اﻷسود في ذاكرتي التي تأبى نسيانه. في هذا اليوم تكتسي كل اﻷشياء بحياتي ألوان حداد.

حفلة المأساة الكبرى في كل حياتي حيث الشموع السوداء السنوية تشتعل في روحي مشعلة غصة الوجع اﻷكبر رغم ارادتي، ورغم انفي.

في هذا اليوم من شهر آيار كل عام استحضر كل تفاصيل الفراق المرير ﻷول أنسان حفظت تفاصيل ملامحه عيوني وتشكلت بين يديه تفاصيل شخصيتي التي دأب على رسمها بريشة ابداعه اﻷبوي على نحو ربما لم ولن تحظى به أي فتاة أخرى حد تأكدي.

ذاكرة الميلاد الخالد.

 يوم ال17 من تشرين الأول.... من كل عام فيه يغدو عمري قرنا بل الف قرن، أو لما لا أكون طفلة بعمر الزمن.

نعم في هذا اليوم أعود لصور والدي المحفوظة بألبوم اﻷسرة، من صوره تلك اقيم متحفا خاصا بصوره.

متحف صور أبي التي توضح مواقفا من رحلته العمرية. - صورته وهو شاب.....لكم كان أنيقا وكأنه نجما من نجوم بوليود بل لا أبالغ إن قلت أنه كان أشد وسامة وأناقة من كل تلك النجوم المقنعة بما ليس بحقيقة.

على عكس والدي الذي عاش شبابه بتلك الاناقة كحقيقة وليس تمثيل.

- صورة وهو بالساحة الحمراء بموسكو ساحة فلاديمير إلتش لينين.

في تلك الصورة تتخذ التفاصيل الكثيرة أشكالا غير متناهية المعاني والدلالات شكلا ثوريا وشكلا علميا وشكلا حضاريا وشكلا اخلاقيا، وشكلا انسانيا، وشكلا مدنيا، وشكلا يمنيا، وشكلا تعزيا، وشكلا ريفيا......

ألم أقل لكم أشكالا غير متناهية المعاني والدلالات.!؟

- وفي صورة له أخرى بالولايات المتحدة اﻷميركية تعبير مكثف عن حالتي الرغبة والارادة.

الارادة في أن يواصل دراساته العليا للدكتوارة والرغبة في العودة الى الوطن الذي كان الحنين اليه يشده شدا لا يضاهيه حنينا أخرا. أتذكر الأن جيدا حينما كان يستمع الى أغنية حنين المفارق. أتذكر الان تماما ذلك التعبير المكثف الذي كان يبرق خلف دموعه الفضية وهو يستمع ﻷيوب طارش.

وا مفارق ديار النور وعد اللقاء حان

الوفاء للوطن يدعوك لبي النداء الأن

لا تغيبوا كفى فرقة ولوعة وأحزان

اليمن تنتظركم يا حبايب بالاحظان.

بهذا الحنين حزم حقائبه ولعن الغربة وعاد الى اليمن ليكون واحدا ممن حملوا مشاعل التنوير والاستنارة بجامعة صنعاء في عصرها الذهبي مع عباقرة العلم والمعرفة من الاساتذة والأكاديميين العرب واليميين.

لست مغرورة ولن أكون كذلك ولست نرجسية ولن اكون كذلك إذا ما استحضرني بيت الفرزدق الشهير: أولئك ابائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجالس نعم ذلك أبي فمن سيجئني بمثله إذا ما جمعتني مجالس تفاضل سير اﻷباء.

لقد كانت رحلة أبي من الميلاد حتى الغياب مزيجا من التميز المتعدد في مجالات رحلته النضالية مع الحياة والوطن والمعرفة والدراسة والثقافة.

فماذا عساني أكتب في هذه الوقفة بذكرى ميلاده ال 71.

3

زخات بذكرى ميلادك

أحببتك منذ نعومة اظافري.. علمتني السير وحيدة لكأنك كنت تدرك أنك ستتركني سريعا قبل اﻷوان.

منذ ذلك اليوم... يوم كنت تقول لي .... وحدو ... وحدو ... وحدو... عشقتك عشقا أبويا.... لكم كنت سعيدة وأنت تمد يديك عندما أسقط على الأرض فالتقط أصابعك وأنهض من جديد...

منذ ذلك اليوم أدركت أنني منك فزاد هيامي بك حد التملك...تملك النهارات لشمسها والليال لنجومها وقمرها والبحار لماءها.

وما يزال صوتك يرن كجرس موسيقي ومقطوعة سيمفونية: - قفي وثابري فالحياة طويلة يا ابنتي..

عشقت نضاله وهو في أوج مرضه ...

علمني أن المرض لا يستوطن الجسد فحسب بل اﻷخطر منه ذلك الذي يستوطن العقل والفكر ...

من قوة ايمانه بنفسه كان يمتلك أصرارا عنيدا كي يثبت لي ولنفسه وللمحيطين به من يكون من يكون هو؟

فجأة وبلمح البصر وطرف عين ينهد من قبالتي من كنت أعيش بمجرد تنفسه للحياة..!

كلما يلمسني المرض ولأنني لم أعرف إلاك لا أبحث الا عنك لتمسك بي.

لكم افتقد لقبلاتك في أعياد ميلادي ؟

غابت عني فرحة الكون أمام غياهب الوحوش البشرية يا أبتي..!

لكم كنت اعدو مسرعة بالركض اليك بمجرد مناداتك أسمي.

أعترف أنك قد علتمني أشياء كثيرة ولكن لقصر الاقامة بيننا وسرعة اختطافك من القدر وجدت أن ثمة أشياء كبيرة من معاني الحياة لم تعلمني إياها بعد..!! كنت تختزل دروسك اﻷبوية بجمل لم أك أستوعبها واستوعبتها متأخرة... نعم...علتمني بمعرفتك كيف أقرأ ما حولي بما املك ( احساسي).

لكن قصر الرحلة جعلتني اختصر حياتي بدونك ... نعم اختصرت حياتي بضم الالف حتى صارت بلا معني .... أحسها قصيرة، وكأني فقدت الاحساس بها. صحيح أنها كثيرة تلك المشاعر المؤلمة التي تغدقني كلما جاااال طيفك بذاكرتي.

بيد أن جملتك تلك.... اذا وقعت على الارض انهضي من جديد وقفي.... وجملتك... كوني كالعنكبوت... إقرئي...إقرئي ... إقرئي...

 وكثير جمل أخرى صارت بالنسبة لي من قواعد الحياة في مواجهة هذا الزمن المجهول.

فإليك أيها الحبيب اﻷول اﻷكبر اﻷعظم ....

اليك بذكرى ميلادك ال71 كون من الحب ... وسماء من التهاني، ودعوات ملئ السموات وملئ اﻷرض أن الله يجعل قبرك روضة من رياض الجنة.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص