أيام ضاحكة مع أحمد فؤاد نجم .. بقلم الدكتور / أحمد الخميسي

صدى البلد: في ذكرى رحيله.. حكاية أحمد فؤاد نجم من دار الأيتام إلى ...عام 1970 كنت في القناطر في زنزانة ملاصقة لزانزانة بها أحمد فؤاد نجم! بعد عدة أشهر حل علينا معتقلا أيضا لواء طيار يشبه الديك الرومي، منفوشا، لكن مشبع بالتعاسة، لم يعرف أحد قط التهمة التي جاء بسببها ولا حتى هو نفسه! وكنا أنا ونجم نقضي الليل والنهار ونحن نقرأ داخل الزنازين، إلى أن تحل نصف ساعة التمشية حول المبنى المستطيل الضيق فنخرج ثم نرجع.

ذات يوم ونحن نتمشى قال اللواء صفوت لأحمد نجم:" يا نجم أنتم بتقروا كتب أنا لا أقرأ .. وبازهق قوي طول الليل.. مفيش حاجة أعملها.. تقدر تعمل لي كلمات متقاطعة؟".

أجابه نجم على الفور: " طبعا".

 وأخذ نجم ونحن نتمشى ورقة وراح يخططها ويضع فيها المطلوب ثم دفع بها إلى اللواء صفوت الذي بدا سعيدا بها كالطفل سعادة لا توصف.

انتهت التمشية وأرجعونا إلى الزنازين، وكانت زنزانتي تفصل ما بين أحمد نجم واللواء الطيار.

 بعد ساعة سمعت طرقا على الجدار: يا أحمد؟. قلت: أيوه يا صفوت بك؟.

قال: صوتي مش ح يوصل لنجم، لكن أنت جنبه ، قول له 7 أفقي، مطرب عربي، أربعة حروف، فريد؟ ولا حليم؟.

 طرقت جدار زنزانة نجم : يا نجم ؟.

 جاءني صوته: أيوه.

 قلت له: اللواء صفوت يسألك : 7 أفقي أربعة حروف مطرب . يبقى  حليم ولا فريد؟

زأر أحمد نجم من وراء الجدار صائحا : الله ! يعني أنا أكتبها له بالنهار وأحلها له بالليل؟!

 إلا أن علاقتي بأحمد نجم تعود إلى ما قبل ذلك بكثير، إلى عام 1964 او 1965 حين اشتغلت في منظمة التضامن وكان مقرها فيلا جميلة في المنيل.

وفي اليوم الأول من التحاقي بالعمل قيل لي إن مكتبي في الطابق الأخير.

صعدت وفوجئت بوجود أمل دنقل، جالسا إلى مكتب يدخن وعلى وجهه كبريائه الغاضبة على العالم وقلة الفلوس وأحلام لا تتحقق.

كنت أعرف أمل قبل ذلك، فراح يشرح لي طبيعة عملنا، وفهمت من كلامه أنه لم يكن لنا عمل جدي. كان بالحجرة نافذة عريضة مفتوحة على سطح المبني، وبينما كنا نتحدث أنا وأمل إذا بشخص يثب من السطح عبر النافذة إلى داخل الحجرة! نهضت مدهوشا، فضحك أمل دنقل وقال لي : ما تقلقش.. ده أحمد نجم! هكذا تعرفت إلى نجم.

ولم يكن قد كتب بعد شيئا من أزجاله الثورية، ولا التقى بالشيخ إمام، وصرنا أصدقاء. حينذاك لم يكن أحد يعرف بعد لا أمل دنقل، ولا أحمد نجم، لكن يوسف السباعي قرر الحاقنا بالعمل لأننا " أدباء شباب"، واعتمادا على أننا أولئك الأدباء فإننا لم نكن نذهب إلى العمل إلا فيما ندر!

وكنا في الأيام القليلة التي نظهر فيها في المنظمة نوقع في دفتر الحضور ثم ننصرف أنا وأمل إلى مقهى جانبي نتسلى بلعب النرد أو أتصفح أنا الجرائد وأمل يقضم أظافره ويسجل أبياتا من قصائده بقلم رصاص، وعندما يحين موعد الانصراف نرجع فنوقع في الدفاتر ونمضي.

وانهالت الشكاوي على يوسف السباعي من الموظفين يتساءلون: لماذا يتغيب أولئك الثلاثة عن العمل كما يحلو لهم؟ هل هم أفضل منا؟.

جمعنا السباعي نحن الثلاثة وقال لنا: أمامكم ثلاثة خيارات، ان تحضروا بانتظام، أو تختفوا نهائيا وسوف أرسل لكم رواتبكم الى البيوت، أو أن أفصلكم من العمل.

 ورسم أحمد نجم على ملامحه الجدية والتفكير وقال للسباعي: " لكن يا يوسف بيه لو فصلتني دي تبقى ثالث مرة ؟"

فلم يفهم السباعي قصده فسأل: " وإيه يعني؟".

 أجاب نجم : " يعني عشان أرجع لك بعد كده لازم محلل" !

وانفجر السباعي ضاحكا بوجه محمر وغاضب، ولوح بيده أن انصرفوا، ولم يفصلنا بالطبع.

 بعد ذلك بنحو عام أو عامين تركنا جميعا المنظمة من تلقاء أنفسنا، وكان نجم قد تعرف إلى الشيخ إمام وأخذا معا يشكلان الظاهرة الفنية السياسية المعروفة، وظلت علاقتي به وثيقة إلى أن جمعنا معتقل القناطر.

 في المرة الأخيرة التي رأيت فيها نجم ، كان يسير وبيده طفلة صغيرة، سألته عنها، ضحك قائلا : " دي مكافأة نهاية الخدمة"

. أستعيد هذه الأيام الضاحكة مع نجم بمناسبة عيد ميلاده الذي تحل ذكراه في 23 مايو. كل سنة وأنت طيب يا أبو النجوم، وعيد فطر مبارك عليك وعلى الناس كلهم.

 

 

 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص