بقلم / محمد الغربي عمران
مصادفة أسعدتني بلقيا الصديق الأديب سيف المرواني.. في جناح دار النابغة في معرض القاهرة للكتاب ما قبل كورونا. وما زاد من سعادتي أن أهداني نسخا من إصداراته الشعرية والنثرية الجديدة. منها "إبحار في ربوع قلب شفاف" شعر و"انبثاق ضوء" ق ق ج. وعناوين أخرى. لأحملها معي أثناء عودتي إلى صنعاء عبر بندر عدن.. بمتعة أخذت في قراءتها.. عمل بعد آخر. لأجد أن كاتبنا ضمن موجه مبدعي المملكة الشباب.. من يحفرون بهمة أسماءهم محاولين اللحاق بمن أضحت لأعمالهم حضور.. ولأسلوبهم عشاق ومتابعين.. أسماء أضحت علامات فارقة في المشهد الإبداعي السعودي. . بل والعربي. وهنا لا أعني برواد الأدب الأوائل بل بأدباء معاصرون.. من لا يزال فيض عطاهم يتوالى بالتجديد شعرا ونثرا. وهم ممن ينسب لهم الانفجار الإبداعي الذي جعل المشهد الروائي السعودي إن لم يكن في طليعة المشاهد الإبداعية العربية فهو ضمن أفضلها. فمنهم: رجا عالم.. عبده خال.. يوسف المحيميد.. الصقعبي.. واليوسف.. المزيني.. وعلوان.. هاني نقشبندي.. ناصر الجاسم.. يحيى أم قاسم .. زينب الخضيري. والقائمة تطول لأسماء من جددوا في فنون السرد وخاصة الرواية في السعودة التي تبوأت مكانة مميزة وحصدت المراتب الأولى لجوائز عربية مرموقة.
لكاتبنا المرواني من الاصدارات ما يقارب العشرة.. منها: "صهيل الجداول" نصوص.. "وتر لها وصوت لي" نصوص.. "عينان تلبسان ثوب الحزن" قصص.. "سحابة من أحاسيس ممطرة" نصوص.. "امتداد غيمة" نصوص. "ارتحال" نصوص.. "عازف يترنم بالحنين" نصوص.. "شال الصمت توشح الرحيل" قصص. ومن خلال تلك الأعمال.. يظهر ميل الكاتب إلى كتابة النص الحر.. مازجا بين اللغة الشعرية وإيقاع السرد.. خاتما معظم نصوصه بالمفارقة الغير متوقعة.. خاصة في نصوصه القصصية.. ظافرا الحكمة بالطرفة.. والخاطرة بالوجدانيات. متناولا قضايا اجتماعية بلغة عاطفية شفيفة. مركزا على التكثيف.. وإنجاز النص القصير جدا. وهنا نجد أثر وسائط التواصل الاجتماعي على نتاج سيف.. كأحد أدباء الجيل الجديد.. الذي يسايرون الإيقاع السريع للحياة.. وما تتطلبه من نصوص وجيزة ومختصرة تواصل الفكرة دون ثرثرة أو تطويل مخل.. وتلك النصوص هي ما يتقبلها البياض الأعظم من القراء والمتابعين.. كما تشجع الكثيرين على اجتراحها.. ونشرها.. فمنها ما يجد قبول.. وردود حوارية حولها.. والكثير تمر مرور فلا ينتبه إليها أحد. أدب مواقع التواصل الاجتماعي.. من يكتبون.. لمجرد التنفيس.. غير مدركين خصائص القصة.. والفرق بين المقالة والخاطرة.. بين البوح الوجداني وقصيدة التفعيلة.. ولذلك أوجدت مواقع التواصل أدب من نوع مغاير.. فلا حدود ولا معايير.. وهو ما يطلق عليه بعض النقاد تداخل الأجناس.. وفي تصوري أن أي نص لا يضيف إضافة معرفية.. ولا يحمل المتلقي على الدهشة.. أو يبرعم التساؤلات.. نص ولد ميتاً.
كاتبنا المرواني يمتلك سلاسة اللغة.. وأفق الموهبة.. والرغبة بالتجدد.. ولذلك لديه الإرادة بتحقيق ذاته إبداعيا.. إذ ملكته الإبداعية تظهر من خلال بوحه الوجداني.. وتلوين نصوصه بعاطفة.. وصدق الإبداع الفني.. كما أنه مثابر ومتجدد ومتنوع.. مدركا للفوارق بين الأجناس الأدبية.. وهو من خلال معرفته تلك يمزج في نصوصه بين عدة فنون.
يمكننا قراءة نصوص مجموعته القصصية الأحدث "انبثاق ضوء". الصادرة عن دار النابغة ..مصر والتي صنفها "إطلالات قصصية":
بقعة
"كانت تشع بهجة
حين انغمست الشمس في الغروب
بدأ الشفق يكتسي
فجأة فترت هاربة
لتكتسحها سيارة مسرعة
وتبقى بقعة الدم على الإسفلت"
غيبوبة
"فاق من الغياب.. على صدمة أكثر وجعا.. بعد رحيلها النهائي.. تلاشى كل اخضرار يأمله".
رغبة
"تُمني نفسها برؤيته لوجهها الصبوح.. لتكتشفه بأنه كفيف البصر"
ندم
"مدت له في عيد زاوجهما بوردة.. فصفعها بخبر زواجه بأخرى"
اختيار
"نادته أين أنت.. ليخبرها بأنه أختر أمه.. لترحل هي"
حرقة
"مرت بجواره.. غمز لها بإحدى عينه.. لتدوي صفعة أدمعت عينه الأخرى"
تذكار
"صبية يغمر الربيع لحظاتها
تسافر في افياء الحلم
فجأة سقطت لحظة مداعبتها للفراشات
اغرق دمها المساحات
لتبقى ذكرى شمس لم تكتمل اشراقتها"
من خلال تلك النصوص الأربعة نلاحظ تركيز الكاتب على القضايا الاجتماعية بدرجة أساسية.. وعلى وجه الخصوص ذات العمق العاطفي والوجداني. إذ أنه لا يقترب من التابوهات الثلاث.. ..القضايا السياسية والدينية.. والجنسية.. واقتحام تلك التابوهات هي مهمة صعبة في مجتمعاتنا.. لكن على الكاتب أن يتحايل ليتماس معها في نصوصه.. فالدين بالطبع حقل شائك.. والجنس حياة نعيشها.. والسياسية نمارسها بشكل أو بآخر في حياتنا.. ولذلك علينا أن نناقشها وأن أردنا بصورة غير مباشرة.. فاللغة والترميز والدلالت والايحاء وغيرها من أدوات الكاتب المتمكن.. وكاتبنا ومن خلال لغته.. وتراكيب جملة المشوقة يمتلك أدواته.. فقط نتمنى أن يستخدمها. لتظهر في نصوصه كقضايا محورية.. قد يكون للكاتب أسبابه التي تجعله لا يقترب من تلك التابوهات.. لكن علينا أن نقترب من هموم الناس وإن بحذر وتغليف ما يجب تغليفه.. فالقارئ لبيب يأول ويقرأ ما بين السطور.
أوضاعنا في الوطن العربي تستدعي هدم ما يعتور مسيرة تقدم مجتمعاتنا من عادات معوجة ومسلمات خاطئة تحد من مكانة العقل.. لبناء قيم الحرية والسلام والمحبة.
يمتلك الكاتب قدرة على تطور أدواته .. والخروج بما هو أفضل سرديا وشعريا.. فمن يجترح تلك النصوص لديه الكثر والكثير من الأدوات.. والأدب والفن والفكر من وظائفه فتح نوافذ جديدة نحو أفاق انسانية رحبة.
لم أتناول تلك النصوص بالتحليل.. كونها نصوص يمكن للقارء أن يستبطن معانيها.. ويستدل على معانيها.. فالقارئ لم يعد من السذاجة بحيث ينتظر من يشير إلى طرقة ما.. وما يحيطنا من معارف ووسائط إعلامية وثقافية .. جعلت القارئ والكاتب يتساويان في الفهم
هي تحية لصديقنا المبدع المجتهد والدؤوب .. من نتوقع لا صراره ومثابرته أن يحقق الجديد والأجد.. و ما يضيف إلى المشهد الإبداعي السعودي من مدهش ومثير.
إضافة تعليق