ثابت القوطاري
النص القصصي
النص القصص جنس أدبي حديث من حيث شكله الفني المعبرَّ عنه بالعناصر الفنية المكونة لبنيته السردية التي جعلت منه نصاً قصصياً، متخيلاً مهما بلغت واقعيته، وقد تكون العناصر الفنية المكونة لبنيتها السردية عبارة عن فكرة وصفية، خالية نسبياً من حضور الحدث، لكنها متملكة لإيقاع السرد الموحي بأننا أمام قصة، وتقتصر أحياناً على حدث محوري في منطق وحداته السردية الثلاثة: البداية، والوسط، والنهاية(لحظة التنوير) التي تتجمع فيها وتنتهي إليها خيوط الحدث كلها، فيكسب الحدث معناه المحدد الذي يريد الكاتب الإبانة عنه، وهذا ما ينطبق - بدرجات متفاوتة - على نصوص المجموعة القصصية (ما وراء النافذة) للقاصة آزال الصباري والبالغ عددها (54 قصة) والصادرة عن دار ديوان العرب- مصر2029م .
العتبات
العتبات هي البدايات في كلّ شيء، وفي النص الأدبي هي المدخل والبوابات التي نستطيع من خلالها الدخول إلى النص، وهي علامات ذات وظائف عديدة، تتعدد بتعدد العتبات التي تتمايز بمستوياتها وقدراتها الفنية، وإمكانياتها الجمالية كـ (عنوان المجموعة القصصية، واسم القاص، والإهداء، والمقدمة، والعناوين المتخللة...إلخ) باعتبارها عتبات لها سياقات توظيفية، تاريخية، ونصية، ووظائف تأليفية يختزل جانباً مركزياً من منطق الكتابة. وفي هذه المجموعة القصصية سأتناول ثلاث عتبات نصية واضحة هي على التوالي:
١_العنوان الرئيس.
٢_ الإهداء الخاص.
٣_الإهداء العام.
٣_عناوين القصص.
العنوان الرئيس
يُعد العنوان الرئيس واجهة النص الأدبي ومفتاحه الذي يسمح لنا بالدخول إلى رحاب عالمه الداخلي، كما أنّه يُعد نصاَ منجزاً بذاته أولاً، ويفضي إلى غيره ثانياً، ويُعتبر أبرز علامة ذات علاقة وظيفية ببنية النص السردي الظاهرة والعميقة في آن معاً، وهو من أهم العتبات النصية التي تستشرف حقول الدلالات، وتطل على ظلال المعاني وتألق العبارات، وتفسح المجال لامتداد الخيال نحو آفاق لا متناهية، فهو خطاب رمزي يعتمد على ادخاره لمخزون وافر من التأويلات التي تحمل كماً من الأفكار والمعاني ذات الصلة الوثيقة بالحمولات الدلالية للنص وجمالياته، وبما أنّ العنوان عتبة من عتبات النص، فهو ممتلك لبنية ولدلالة لا تنفصل عن خصوصية النص الأدبي. ويتكون عنوان هذه المجموعة القصصية من ثلاثة مقاطع: (ما/ الموصولة بمعنى الذي) و(وراء/ ظرف مكان بمعنى خلف، ويقال: هو وراءك لما استتر عنك، سواء أكان خلفاً أم قدّاماً، وفي التنزيل العزيز قوله: (مِنْ وَرائِه جَهَنّمَ) [إبراهيم:16] أي: أمامه وقدامه. و(النافذة/ الشُّباك في الجدار ينفُذ منه الضوء والهواء إلى الحجرة، ويسمح للنظر من خلاله إلى الخارج، والجمع نوافذ). والعنوان بمجمله (ما وراء النافذة) يحمل دلالة إيحائية، تجعلنا نضع سؤالاً مفاده: (ماذا يحدث وراء النافذة؟) وفي ذلك تحفيز ولفت انتباه، وجذب للقارئ لمعرفة تلك الأحداث والقصص، الموجودة في هذه المجموعة.
الإهداء
الإهداء عتبة مهمة ذات بعُد دلالي وشيج الصلة بالنص الأدبي، لا تخلو من قصدية ما، وتكمن بلاغته في اعتباره عتبة نصية لا تنفصل دلالتها عن السياق العام لطبيعة الحدث في العمل السردي، وفي هذه المجموعة القصصية إهداءين:
١_الإهداء الخاص: وقد توجهت فيه القاصة إلى شخصيات تربطها علاقة حميمية بها على النحو التالي: (الأم/والتي مثلت القلق) و(والابنة/ والتي مثلت الخوف) و(الوطن (اليمن)/ والذي مثّل الحزن والبؤس) و(بلاد الغربة(مصر) والتي مثلت المرض).
٢_الإهداء العام: توجهت فيه القاصة إلى شخصية عامة تمثلت في (كلِّ البسطاء/ الذين يمثلون الوجع، والجوع، والخوف، والحرمان).
ويشترك الإهداءان (الخاص والعام) مع بعضهما في كونهما عتبة كاشفة لمضامين قصص المجموعة، التي تحملان دلالة الحزن والقلق والخوف والحرمان والموت.
عناوين القصص
وتُعد عناوين القصص، عناوين فرعية تمثل بدورها مفاتيح ندخل بواسطتها إلى عوالم النص وفضائه الداخلي، وبنيته العميقة، التي تحيلنا تلك العناوين إليها عند قراءة كلّ نص قصصي يقع داخل المجموعة، وتربطه علاقة وظيفية بهذا العنوان الذي فتح لنا مغاليق النص، وكشف لنا عن علاقته الدلالية ببنية النص السردية ذات الأفق الجمالي والموضوعي في آن معاً. وقد جاءت عناوين هذه المجموعة متنوعة بين العنوان المفرد (كلمة واحدة)، والعنوان المركب (كلمتين أو أكثر). وكلّ عنوان منها حمل دلالة القصة، وكشف عن بنيتها العميقة. ويعتبر الحدث في رأي النقاد هو الشخصية وهي تعمل، عملاً له معنى، ويُعد الحدث المكون الرئيس للسرد، بما يقتضيه من تغير للحالة وجريان في الزمن، وجاء الحدث في هذه المجموعة بمستويات عدة، يختلف من قصة لأخرى.
وإذا ما عرجنا على اللغة في هذه المجموعة فسنجد أن اللغة وسيلة الكاتب، ومن دونها لا تكون هناك قصة، ولغة القصة الحديثة لغة بسيطة التركيب عموماً، لكنها مدهشة في الإيصال، وهي لغة ذات جملة خبرية، قصيرة، تبتعد قدر الإمكان عن النعوت والانسياب اللغوي المتدفق دون رادع، وترتبط بالشخصيات ومستوى وعيها ارتباطاً حثيثاً، حيث أسندت القاصة للشخصيات مستويات لغوية عدة (فصيحة) و(عامية) واعتمدت لغة قصيرة في معظمها، وتعتمد جملاً فعلية تفيد الحركة، والتتابع، وتحافظ على بناء توتري يساعد على سرعة التواصل بين القصة والقارئ.
إضافة تعليق