توقعت مصادر سياسية يمنية مطلعة أن تشهد الفترة القادمة ضغوطا سياسية دولية على الحوثيين بقيادة الولايات المتحدة، وكذلك ضغوطا عسكرية من التحالف العربي الذي عاود قصف مواقع الحوثيين في صنعاء وصعدة، إلى جانب التحركات التي يشهدها الساحل الغربي لليمن في أعقاب تنفيذ عملية إعادة انتشار تلاها تجدد للمواجهات بين الحوثيين وقوات المقاومة المشتركة التي تمكنت من إحراز انتصارات عسكرية في مدينة حيس وريفها بعد إعادة ترسيم خط المواجهة الجديد في الحديدة.
ونجحت المقاومة في نقل المواجهات بعيدا عن ميناء الحديدة والمناطق المكتظة بالسكان وهو الأمر الذي خفف من حجم الضغوط التي كانت تمارسها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي على التحالف العربي والحكومة اليمنية تحت ذرائع وحجج إنسانية.
وأدان مجلس الأمن الدولي اقتحام الحوثيين لمبنى السفارة الأميركية في صنعاء، بالتوازي مع إدراج وزارة الخزانة الأميركية قياديا بارزا في الجماعة الحوثية على قائمة العقوبات.
ويأتي هذا الحراك الدبلوماسي الدولي مع تزايد المؤشرات على رغبة المجتمع الدولي في اتباع سياسة أكثر تشددا تجاه الحوثيين الذين رفضوا كل الدعوات الأممية والدولية للقبول بمبادرة وقف إطلاق النار التي اقترحها المبعوث الأممي السابق إلى اليمن مارتن غريفيث وحظيت بموافقة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا والتحالف العربي بقيادة السعودية.
وأدان مجلس الأمن الدولي الخميس “عملية الاستيلاء والاختراق الأخيرة والمستمرة” التي قام بها الحوثيون للمجمع الذي كان يستخدم سابقًا كسفارة للولايات المتحدة في صنعاء، وهو الاقتحام الذي ترافق مع اعتقال العشرات من الموظفين المحليين.
ودعا أعضاء مجلس الأمن إلى “انسحاب فوري لجميع عناصر الحوثيين من المجمع”. وطالبوا بالإفراج الفوري والآمن عن أولئك الذين ما زالوا رهن الاعتقال.
وترافق موقف أعضاء مجلس الأمن مع فرض الحكومة الأميركية لسلسلة جديدة من العقوبات طالت قيادات عسكرية حوثية كبيرة كان آخرها إدراج القيادي في الميليشيا المدعومة من إيران صالح مسفر الشاعر على قائمة العقوبات والذي يعد أحد أذرع الجماعة المالية والاقتصادية “لدوره في تقديم الدعم اللوجستي للميليشيا”.
كما أدرجت وزارة الخارجية الأميركية الحوثيين في قائمة الكيانات التي تشكل قلقا خاصا لدورها في ممارسة انتهاكات واسعة للحريات الدينية إلى جانب تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية “داعش”، في الوقت الذي يناقش الكونغرس الأميركي إعادة إدراج الجماعة الحوثية ضمن المنظمات الإرهابية.
وتزامن التصعيد السياسي والدبلوماسي الدولي تجاه الحوثيين مع تجدد العمليات الجوية التي يقوم بها التحالف العربي على مناطق سيطرة الحوثيين وخصوصا في صنعاء وصعدة وعمران.
وطالت العمليات الجوية لأول مرة منذ شهور مطار صنعاء الدولي الذي قال التحالف العربي في بيان صحافي إنه “رصد نشاطاً وتحركات مشبوهة لأعمال عدائية منه”، بعد أن تحول إلى “ثكنة عسكرية لإطلاق الأعمال العدائية العابرة للحدود”.
واعتبر الباحث السياسي اليمني محمود الطاهر في تصريح لـ”العرب” أن التحركات الدولية تجاه الحوثيين “محاولة أخيرة لتصعيد اللهجة ضدهم، بدلًا من التدليل بعد أن أصبح المجتمع الدولي يدرك أن الحوثيين لا يمكن أن يجنحوا للسلم كما كانت تخطط إدارة بايدن وتحلم به”.
وأضاف “الحوثيون تمادوا كثيرًا بفعل الدلال الدولي والأميركي لهم، وأصبحوا يهددون العالم بأسره من خلال استمرارهم باستهداف الممر الملاحي الدولي، أو من خلال اعتدائهم بشكل مباشر على المصالح الأميركية المتمثل في اقتحام سفارة واشنطن وكذلك اعتقال موظفي السفارة، وألحقوا ذلك باعتقال موظفيْن اثنين من العاملين مع الأمم المتحدة في الحديدة”.
وعن أهداف ومؤشرات الحراك الدولي الأخير، تابع الطاهر “أعتقد أن التحرك الدولي سيستمر بهدف ممارسة أقسى وأقصى الضغوط على الحوثيين لاستكشاف مدى قبولهم بدعوات المجتمع الدولي لوقف الحرب في اليمن، ووقف الهجوم على مأرب، لكني لا أتوقع أن تكون هناك استجابة للحوثيين، لأن العقوبات هذه لا تؤثر عليهم، فهم لا يسافرون ولا يملكون أرصدة في بنوك دولية، لكن من المهم تصنيف الجماعة كمكوّن وحركة إرهابية، ومنع قادتها من التجول، وعندما يتم منع القيادات الحوثية كمحمد عبدالسلام أو وفدهم التفاوضي الذي يسرح ويمرح، سنرى قبولا حوثيًا بهدف تخفيف الضغط عليهم (…) والتحركات الأخيرة أعتقد أنها مقدمة لضوء أخضر لعملية عسكرية قادمة ضد الحوثيين، وأعتقد أن ذلك سيكون قريبًا وربما قد يكون غير معلن”.
ويرى مراقبون أن التحولات المتسارعة في المواقف الدولية إزاء الحوثيين تعبير عن حالة الإحباط التي وصلت إليها الدول الكبرى الفاعلة في الملف اليمني وخصوصا الولايات المتحدة التي تحولت نحو ممارسة ضغوط سياسية متصاعدة لإجبار الحوثيين على وقف التصعيد في مأرب والقبول بالمبادرة الأممية.
كما يأتي التغير في الموقف الدولي انعكاسا لحالة التعثر في مسار الحوار مع النظام الإيراني الذي كان يعول عليه في التوصل إلى حزمة من الاتفاقات تشمل الأزمة اليمنية، إضافة إلى سعي واشنطن لطمأنة حلفائها في المنطقة بعد أن ظلت تمارس عليهم ضغوطا من جانب واحد منذ فوز الرئيس الأميركي جو بايدن بالرئاسة.