الدكتور عبده منصور المحمودي شاعر وناقد وأستاذ النقد الحديث بجامعة عدن؛وقد صدر له موخرا ديوانه الشعري أقرب من وجع السؤال؛ونحن بدورنا في المستقبل أونلاين التقيناه وناقشنا معه العديد من القضايا الأدبية والنقدية فإلى الحوار:
- من هو الدكتور عبده منصور المحمودي الانسان؟
- إنسانٌ يعيش حياته ببساطةٍ متناهيةٍ ما استطاع إلى ذلك سبيلا، يبحث في كل شيء عن الإيجابية فيه. يتمزقُ بعذاباتِ الإنسان، كل إنسانٍ في شتى بقاع الأرض، ولعذابات الإنسان اليمني خصوصيةٌ في تمزقات مشاعره النازفة مع كل جراحٍ، ومع كل آهةٍ مكلومة.
- بصفتك أستاذ النقد الحديث المساعد بجامعة عدن؛ هل ساهم - النقد في المشهد الثقافي؛ أم أن هناك فجوة كبيرة بين النقد والإبداع؟ وهل النقد يضاهي المشهد أم مازال متأخرًا عنه؟
- لا يمكن القول إن النقد لم يساهم في تشكيل المشهد الثقافي والإبداعي، ولو في أضيق مساحةٍ محدودة، لكن الفجوة بين المشهدين النقدي والإبداعي ـــ للأسف ـــ ما زالت كبيرة، وفي اتساع مطرد؛ فالحركة النقدية لا تواكب العملية الإبداعية المتجددة، وهناك تقصيرٌ من النقاد، ليس في مستطاعي إعفاء نفسي من نصيبها فيه. تخرجُ من حينٍ إلى آخر إصداراتٌ يمنية شعرية وسردية، فتعكس صورة الذات المبدعة، غير المستسلمة لعوامل الإحباط المحيطة بها، ومن حق تلك الإصدارات أن تحظى بالوقوف على ما فيها من رؤىً، واشتغالات فكرية وجمالية.
- أيهما أقرب إلى قلبك الشاعر أم الناقد ؟
- الشاعر هو الأقرب إلى قلبي دون شك، في الشعر أجد ذاتي متدفقةً في مساحاته الشاسعة، والشعر ملاذٌ لهواجسي، التي لا يسعفها إلا "وادي عبقر" بغاباته المسكونة بالدفء، والسحر الوجداني اللذيذ. إن تجارب الحياة كثيرة ومتعددة، وكل تجربة أعيشُها أو أعايشُها، لابد من أن تؤول إلى نصٍّ يحتويها، غالبًا ما يكون نصًّا شعريًّا. وقليلًا ما يكون نصًّا سرديًّا تتناسب تقنياته مع اشتراطات الاحتواء الأدبي لتجربة معينة، تجربة أشمل من أن تتكاثف في نصٍّ شعري.
والنقد قسيمٌ للشعر لديَّ، وفيه تتبلور لذةُ قراءة النصوص الإبداعية رؤىً نقديةً، تستلقي على السطور، بمتعةٍ موازيةٍ لمعايشةِ كل جمالٍ أدبي. ويبدو أن للكتابات السردية نصيبُ الأسد من اهتمامي النقدي، سيما السرد الروائي، لفاعليته في استيعاب تفاصيل الحياة، ومواقفها ومستجداتها المتسارعة.
لدي ميولٌ نسبيةٌ إلى البحث والكتابة في موضوعات الحياة، بما في ذلك الاشتغال على المتداول الشفاهي اليمني اشتغالًا لسانيًّا وأنثروبولوجيًّا، وهي على كل حالٍ اشتغالاتٌ محدودةٌ، على هامش العمل النقدي.
- لماذا لم يأخذ المبدع اليمني حقه؟
- هناك كثيرٌ من الإشكاليات التي تحول دون ذلك، وكلها ذاتُ ارتباطٍ بمنظومةٍ متجانسةٍ من الأولويات السياسية والثقافية العربية، التي تنتقي ما يلبي حاجتها الآنية، غالبًا ما يكون المنتقى مفرغًا من آليات الإبداع الحقيقي. ومع ذلك فإن المبدع الحقيقي لا ينتظر مَن يأخذ بيده بقدر ما يسعى جاهدًا إلى مكانته اللائقة به، يشق طريقه بإرادة فولاذية متجاوزًا أية انتقائية نحو فضاءات أوسع من التأطيرات الجغرافية.
- لماذا الشعر؟
- لأنه جمالٌ تعبيري، وصوتٌ مناهضٌ لمظاهر الحياةِ، غير المتسقة مع ما ينبغي أن يكون. لأنه الحنايا التي تتخلَّقُ فيها رؤى الذات الشاعرة، ومواقفها من متغيرات الحياة، ومستجدات الأزمنة والأمكنة على حدٍّ سواء.
- أي المناهج النقدية الحديثة أقرب اليك؟ ولماذا ؟
-أجدني أكثر انجذابًا إلى المنهج الجمالي، لكنني غير مقيدٍ به؛ فالنص لديَّ هو الذي يُمْلي عليَّ منهجيةَ الاشتغال عليه نقديًّا. تتشكل منهجيتي في التعاطي مع النصوص من مكونات النصوص التي تلفت انتباهي إليها: جمالياتها، رؤاها، سماتها الأسلوبية، أيقونات الفرادة فيها،...
- حدثنا عن الدواوين والكتب النقدية التي أصدرتها؟
- صدر لي قبل أيامٍ ديواني: "أقرب من وجع السؤال"، عن دار همسة في جمهورية مصر العربية، فضَّلتُ أن يشمل نصوصًا متنوعة: تفعيلية، وعمودية، ونثرية. ولديّ بضعُ مجموعات شعرية جاهزة، لا أدري متى سأدفع بها إلى النشر: منها ما استقام على قصيدة النثر، ومنها ما استقام على النص العمودي. وفي النقد، لديّ كتابان اثنان، قيد النشر، يرهقهما انتظارُ الخروج إلى النور؛ فالكاتب والمبدع اليمني، يعيش حياةً لا تشجعه على الدفع بأعماله إلى النشر، وهذه الحياة باشتراطاتها، شملت مخطوطاتي التي تنتظر حياتها خارج أدراجي ومجلداتي الألكترونية، وسأحاول تقليص مساحات الانتظار ما استطعت.
- هل المناهج التي تدرسها في الجامعة بعدن تساعد على خلق شعراء ونقاد؟ أم أنها مجرد ملازم يحفظها الطالب لأجل الامتحان فقط؟
- المنهج بحد ذاته ــــ مهما كان مستوى مقوماته ومكوناته ومضامينه ــــ لا يمكن ان يخلق شاعرًا أو ناقدًا؛ هناك متغيرات كثيرة، وعوامل لا يمكن تجاهُلُ فاعليتِها في هذا الاتجاه من البناء الفكري والإبداعي، ولكل أستاذٍ جامعيٍّ وسائلُه وطرائقه في تعزيز هذا البناء، كما أن للميول الشخصية والفروق الفردية دورًا فاعلًا، في نجاح هذا البناء أو فشله. وفي هذا السياق، لابد من الإشارة إلى أن الشعر موهبة، والموهبة لا تُعلَّم، وإنما تُصقَلُ بالمعرفة. ثم لابد من الإشارة أيضًا إلى أن في مستطاع الأستاذ والناقد والمفكر والمحاضِرِ الجامعي اجتراحَ آلياتٍ فاعلةٍ في اكتشاف المواهب وصقلها، وكذلك في تنمية المهارة النقدية لدى من يستشرف فيهم ملكةً نقدية مستقبلية.
- يقال أن الناقد هو شاعر فاشل؟ هل هذا صحيح؟ ومن أين أتت هذه المقولة؟
- لا أرى أن الحكم القطعي في صحة هذه المقولة ممكنًا، أسماء كثيرةٌ، جمعت بين الشعر والنقد، ولم يكن الفشل واردًا لديهم في ازدواجية التجربتين: الشعرية والنقدية. قد يكون لهذه المقولة مساحةٌ تمنحها نسبةً من الصحة، هي المساحة التي يحاول فيها ناقدٌ غير موهوبٍ كتابة الشعر، سيتعثر دون شك، فالموهبة رئة القصيدة. أستطيع الحديث عن تجربتي مع ازدواجية الشعر والنقد: أُعدُّ للنقد أدواته بوعي منهجي، وأهيئ له حيثياته بحثًا وترتيبًا وتحليلًا. أمّا القصيدة، فأستسلم لطيفها بأحضان الشرود، أترك اللحظة الشعرية في تدفقها، لا أضع في طريقها أيّ تنظيرٍ نقدي، حتى تستكمل ميلادها؛ فأكون أول المفتونين بها.
- هل يمكن أن تخبرنا عن أقرب قصائدك اليك؟
نص: "خذلوكَ يا "داروين"":
يُعيدُ الوهمُ تسويقَ الرتابةِ،
في أحدثِ طفْرةٍ
مُبَهْرَجةٍ،
بما تقيَّحَ من شآبيبِ الخنوعْ.
لنسغِ الوهمِ تراتيلُ أرواحِنا،
وَهْوَ يُداهمُ الإنسانَ فينا
على حينِ انتباهٍ...
على حينِ تَأَهُّبٍ ماضٍ
في اكْتِمالات التّـشَـيُّؤِ،
لما تبَقّى من معانٍ،
تُؤنسِنُ الرمقَ الأخيرَ
ـ في هذا التدافُعِ ـ
نحو هاويةٍ:
لا مآلَ لنا سواها،
مُؤدلجةٍ بمنطقِ الغابِ المُفَدَّى،
يرتقي فيها نشوءُ القِـرْد نحوَ الذئبِ،
لا في اتجاهاتِ التَّـأَنْـسُنِ،
من خُلاصاتِ "الدَّرْوَنةْ".
- كلمة أخيرة تريد قولها؟
- أمنياتي أن يتجاوز الوطن محنته وأوجاعه، وأن يتشكل واقعٌ أكثر انسجامًا مع استحقاقات الإنسان الحياتية، بما في ذلك استحقاقات المبدعين والكتاب حياةً تليقُ بهم، وباتقاد ذواتهم أيقوناتٍ فكرية وإبداعية.
وشكرًا للمستقبل أون لاين موقعًا ومحررًا، بدايةً ونهايةً، على هذه الاستضافة الكريمة.
إضافة تعليق