لماذا تأكلون الثوم بأفواه الجياع؟!

خرجت السبت للمشاركة في المسيرات المنددة بالتدهور الاقتصادي وانهيار العملة الوطنية، والتي احتشدت في مدينة تعز، رغم ثقتي المسبقة أن هذه الفعالية الجماهيرية التي أطلق عليها البعض "ثورة الجياع" قد تم اختراقها حتى قبل أن تبدأ، وأن أخطبوط الجماعة قد أولغ أذرعه الثمانية فيها تطويقاً واختراقاً.

في الصباح هالني الانتشار الأمني الكثيف الذي يكاد يطوق الحشد المتظاهر، وحالة التحفز والتوتر التي شاعت في المكان، سألت زملائي فأخبروني أن الأمن قد قمع هذا ومنع ذاك، واحتجز البعض –ربما لأخذهم بعيداً– بسبب هتافاتهم، كانت هتافات حسان الياسري معبرة، مهذبة وفي صلب الموضوع، أما اللافتات فشيءٌ آخر.

بطبيعة الحال فمعظم المحتشدين هم من البسطاء، وبينهم عدد لا بأس به من النشطاء الذين لا يمتلك بعضهم ثمن متر من القماش الرخيص، وهناك أيضاً عدد من النشطاء الذين يمولهم الإخوان، وعدد لا بأس به من الكوادر العقائدية من الأتباع المتحفزين والمغمورين.

لذا فقد احتكرت تلك اللافتات الضخمة، ذات الخامات الممتازة، والطباعة الجيدة، تمثيل الجياع الغاضبين، غير أنها اختصت بأمر واحد، الهجوم على السعودية والإمارات، كل على حدة، أو جمعهما تحت وسم "التحالف العربي"، هذا ولا شيء آخر.

ولذا، تقرأ في هذه اللوحة عبارة "الإمارات وإيران وجهان لعملة واحدة"، وتقرأ في تلك "السعودية هي السبب في كل ما الكوارث التي حلت على للشعب اليمني" وعبارة ثالثة تخاطب السعودية "هل رئيسنا حر أم معتقل؟!"... الخ. 

 

تطوف على جميع هذه اللوحات التي تحمل توقيعاً وبصمة واحدة، وفي مجملها: السعودية والإمارات وحدهما، السبب في كل الشرور التي أصابت اليمن.

وعطفاً على ذلك، فلا توجد لوحة واحدة من هذه اللوحات، انتقدت رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي، المسؤول الأول عن البلاد ورأس سلطتها، أو نائبه الفريق علي محسن الأحمر، القائد الأعلى للجيش وأقوى شخصية نافذة في الشرعية، أو عبد الملك الحوثي، زعيم الانقلابيين، ومشعل شرارة هذه الفتنة التي أحرقت البلاد والعباد بنيرها، فلعل الله قد اطلع على قلوبهم وقال: ما ضر ما فعلتم، فقد غفرت لكم.. كم هم محظوظون!

من حيث المبدأ، ليس لدي أدنى اعتراض على ما احتوته تلك اللوحات، بل أؤكد أن الناس في تعز ساخطة على تحالف دعم الشرعية، لكني أتساءل، لماذا لم يعلن تنظيم الإخوان في اليمن، عن إقامة فعالية حزبية خاصة به، تظاهرة أو احتفال رسمي أو ما شاء، ويقوم برفع تلك اللوحات، ويشتم فيها التحالف العربي كما يريد، ولرأيه كل الاحترام؟!

ربما أن "الإخوان المسلمين" جبناء، وهذا ممكن، فقد يكون المؤمن جباناً كما جاء في الحديث الشريف، لكن، وإن كانوا جبناء، فهل من حقهم أن يصادروا قضية الجياع الذين خرجوا طلباً للخبز، وأن يعملوا على تجريفها وتسييسها واستغلالها أبشع استغلال، بتوظيفها حطباً لحرائقهم السياسية، وأداة لتصفية حساباتهم مع حكومتي السعودية والإمارات، خدمة لمصالحهم الخاصة؟

لماذا يأكلون الثوم بأفواه الجياع، لماذا لا يخوضون معاركهم بأنفسهم، وبإمكانياتهم الهائلة، لماذا يتخذون من البسطاء دروعاً بشرية لحمايتهم، ومن جوعهم معاناتهم وقوداً للاستهلاك السياسي والإعلامي؟، لماذا يركبون على كل ثورة، وينهبون كل حق وحقيقة لرفع أرصدتهم البنكية، ونفوذهم الشخصي والشللي؟، لماذا يزيفون وعي المجتمع بهذه الصورة الوقحة والغبية؟

في الصباح الباكر، كانت الذراع الأمنية القاهرة لهذا الأخطبوط، قد طوقت حشد الفقراء الغاضبين لجوعهم، وشخر الوحش موشكاً على البطش، وكانت جمعية الجرحى سيئة السمعة، أعلنت عن حفل تكريم في ساحة الحرية، وقد نجح هذا الاستقطاب في تغيير وجهة بعض الأشخاص الذين ولوا وجوههم شطر احتفال الجرحى، كانوا خائفين أن تخرج تلك الحشود أو تتمرد، لكنها بدت مطواعة ومنصاعة لخطاب التزييف الإخواني، فهل لم تعرف غيره؟، فحيث جالت تلاقيها إمبراطورية الإخوان الإعلامية بالتعبئة والتحريض، وكما قيل "الإعلام هو كل ما نعرف" وما داموا متمكنين من الإعلام فلا غرو أن يكون كل ما نعرف ونعتقد به، محض زيف. 

لقد نجح الإخوان بهذه الحيلة البسيطة، في احتواء الشارع، وإعادة توجيه غضبه ليس باتجاه السلطة الشرعية والقوى الداعمة لها، وهم المسؤولون الأوائل أمام الشعب، ابتداءً من عبد ربه منصور هادي، وحتى أصغر مسؤول تنفيذي، وليس باتجاه عدوّه التاريخي المتمثل بمليشيات الحوثي الكهنوتية، ولا أمراء الحرب، ولا مافيا التهريب والسوق السوداء والمضاربين بالعملة، بل باتجاه خصومهم الإقليميين، السعودية والإمارات.

مضاف لذلك: أن ربائب تنظيم الإخوان، الذي يهيمن على مفاصل السلطة الشرعية، والذي يعيث في مؤسسات الدولة فساداً وعبثاً، لم يخجلوا وهم الذين يزعمون لأنفسهم صفة الاستقلال والوطنية، وهم يستجدون السعودية أن تنقذ اليمن من أزماته التي تسببوا الإخوان ذاتهم بمعظمها، فنحن – ويالسخرية القدر- نطالب بالاستقلال عن الاحتلال السعودي الإماراتي البغيض، ثم نطالبه وكأننا بعض رعاياه، أن ينفق علينا..!!

ختاماً: كغيري من الناس هنا، أؤمن بأن التحالف العربي قد ارتكب في حق اليمنيين أخطاء لا تغتفر، وأولها، مساهمته بالمال والسلاح في نشوء هذه المليشيات المعتوهة، وتقوية عصابات الفساد والبلطجة والنهب واللصوصية المنبثقة عنها.

وإن كان التحالف يدفع وسيدفع ثمن هذه الخطايا التي ارتكبها بنفسه، فمع ذلك، أؤمن أن خصومتنا كيمنيين مع أي دولة، أو كيان، لا تتحدد إلا بإعلان الرئيس نفسه، عن هذه الخصومة، وتحريض جموع الشعب لخوض المواجهة، خلاف ذلك، فليس من حق أي شخص أو جهة، الدعوة العلنية والتعبئة ضد أي دولة أو كيان، ما دام هناك قيادة لهذا الشعب، أو فعلينا إسقاط هذه القيادة إن كانت قد فرطت وخانت بحقوق ومكتسبات شعبنا، وانتخاب بديل لها يراعي مصالح الشعب ويخوض بنا معركة الانعتاق نحو المستقبل.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص