غسيل الأموال والرأسمال الوطني
2021/02/04 - الساعة 02:21 مساءاً
• عبدالرحمن الرياني
خلال الأسبوع الماضي صدر عن لجنة الخبراء الدوليين تقريراً هامًا حول الوضع في اليمن مختلف جوانبه ومنها الجانب الإقتصادي جاء التقرير متضمنًا تفاصيل حول قيام البنك المركزي اليمني بتبييض وغسل جزءً كبيراً من الوديعة السعودية التي تم إيداعها في البنك المركزي اليمني بعد نقله إلى عدن في عام 2018م وهو نفس العام الذي تم فيه إيداع الوديعة المالية السعودية البالغة 2مليار دولار ، مالفت نظري وأنظار اليمنيين بمختلف شرائحهم الإجتماعية هو ماورد في التقرير من أن نسبة كبيرة من الوديعة تم تجييرها لصالح رجال أعمال يمنيين وهذه النسبة تعادل أكثر من 20% من قيمة الوديعة 423مليون دولار أمريكي الأغرب في ذلك هو أن يتم الزج بأسم أكبر مجموعة تجارية في اليمن وهي مجموعة شركات هائل سعيد أنعم وأقول الزج متعمداً ذلك لكوني كقارئ ومهتم بالمشهد الإقتصادي اليمني أعرف كيف تشتغل هذه المجموعة التي أستحقت بجدارة أن تكون رائدة للإقتصاد الوطني وكان الحاج هائل سعيد أنعم هو مؤسس الأقتصاد الوطني أو طلعت حرب اليمن ، و منذ بداية الستينيات عندما كان بيت هائل سعيد أنعم من أكثر الداعمين للثورة اليمنية منذ قيامها في السادس والعشرين من سبتمبر1962م وليس دفاعًا عن المجموعة كمسمى ولكن ما سيرد في السطور القادمة عبارة عن حالة وصفية لحقائق يعرفها اليمنيون وهي حالة تموّضع مع الوطن ومع الرأسمال الوطني وانحيازاً للحقيقة ليس إلا من مثقف وطني أبعد ما يكون عن رأس المال بشقيه التقليدي والطفيلي وأقرب ما يكون لرأس المال الوطني الشريف ، في أول تشكيل للحكومة في أعقاب نجاح ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة ضمت حكومة الثورة اثنين من بيت هائل سعيد أنعم هما الحاج علي محمد سعيد وزيراً للصحة وأحمد عبده سعيد وزيراً للمالية ، وتقديراً منه للرأسمال الوطني الذي قدم الدعم لثورة 26 سبتمبر قام الرئيس جمال عبدالناصر بتكريم علي محمد سعيد أنعم رئيس مجلس إدارة المجموعة حاليًا بمنحه أعلى وسام في تلك الفترة وهو وسام النيل من الدرجة الأولى ، وخلال مسيرتها حازت المجموعة الوطنية على ثقة اليمنيين ودول الجوار الإقليمي والعالم برمته ، اذكر أن فلاح جبر الأمين العام لأتحاد الصناعيين العرب قام بزياره إلى مصانع المجموعة في منطقة الحوبان بتعز وبرفقة السفير الياباني في اليمن وأثناء جولته في المنشاءآت الصناعية للمجموعة لم تفارق الدهشة وجه السفير الياباني لما شاهده في جولته يومها علق بعبارة : لم أكن أتوقع أن أرى هذا يحدث في بلد عربي ، بدوره صنف فلاح جبر المجموعة باعتبارها المجموعة الصناعية الأولى عربيًا ، أنها شهادة تقدير ناتجة عن الثقة بالنفس التي استطاع الرأسمال "الوطني" أن يوصلها للعالم بالرغم من ظروف اليمن الطاردة للإستثمار بفعل تركيبة النظام القبلي والعسكري المتحالف مع الرأسمال الطفيلي الذي خرج من رحم السلطة الفاسدة ذلك النظام الطارد للإستثمار والذي كان يضع العقبات أمام رأس المال الوطني وفي كل مرة كان رأس النظام يتحدث مع الشيخ علي محمد سعيد كان يخاطبه بعقلية الإبتزاز وأنه قادر على إغلاق ما كان يطلق عليها دكاكين الحوبان ، في المقابل كانت لدى المجموعة التجارية الصناعية الأولى في اليمن رؤيتها البعيدة المدى والتي أوصلت عدد العاملين فيها لما يزيد على الخمسين الف وهي الرؤية التي الناتجة عن ثقة وإصرار على النجاح تلك الثقة يمكن فهمها من خلال تعاطي الرأسمال الأوروبي مع المجموعة أذكر أن وفدً من الشركات الإسترالية جاء إلى تعز ذات يوم وكانت المدينة حينها تشهد مظاهرات غضب حاشدة ضد الحكومة استمرت لعدة أيام وطوال فترة وجود الوفد الأسترالي المكون من عدة شركات ، كان الهدف من زيارة المجموعة الاسترالية هو الحصول على توكيلات ببعض الصناعات المرتبطة بالمجموعة الصناعية الأولى عربيًا في أثناء الزيارة التي جاءت في الوقت الغير مناسب تم التوقيع بين الجانبين على مايشبه مذكرة تفاهم للتعاون ، بعد سفر الوفد الأسترالي تولدت قناعة لدى القائمين على المجموعة أن الأمر بات في حُكم المنتهي على ضوء حالة الفوضى والشغب والاضطرابات التي توافق حدوثها مع زيارة الوفد الأجنبي وحضرت بقوة مقولة رأس المال جبان أذ أنه من غير المنطق القبول بالتعامل مع رأس مال تتموضع قاعدته الصناعية في نطاق جغرافي مضطرب ولما يمكن أن تكون له عواقب سيئة على تعامل من هذا النوع ، هكذا هو منطق رأس المال ،لكن المفاجئة كانت في إصرار الجانب الأجنبي على المضي فيما تم الإتفاق عليه وهنا تغلبت الثقة في المنتج على مقولة رأس المال جبان ،أوردت هذه الحادثة لما لها من دلالآت وآبعاد على ما قام به رأس المال الوطني الذي كان ولا يزال يعمل في أسوء الظروف وفي نطاق جغرافي سياسي مليئ بالتوتر وعدم الإستقرار ، أذكر أنه عندما أرادة السعودية تنفيذ طريق جبل صبر في أثناء زيارة ولي العهد الراحل الأمير سلطان بن عبدالعزيز إلى اليمن وهو الذي كلف 15مليون دولار قام الأمير سلطان بتقديم عشرة ملايين دولار وبرغم معرفته أن كلفت الطريق هي خمسة عشر مليون دولار خاطب الأمير الراحل علي محمد سعيد بالقول قدم من عندك و احنا حاضرين ، هذه الثقة في نزاهة المجموعة ونظافة اليد التي حدت بالأمير الراحل إلى تجاوز الدولة اليمنية ومنظومتها الفاسدة وهي ذاتها الروح التي حكمت المجموعة منذ تأسيسها .
الحقيقة التي لا يعيها كثير من اليمنيين هي أن المجموعة ظلت طوال عقود واجهة اليمن في العالم ونجاحها أو فشلها هو بمثابة الترمومتر الذي يقاس عليه مدى تعافي الاقتصاد اليمني ، بل والأكثر من ذلك استطيع القول أن مجموعة هائل سعيد أنعم تعتبر خط الدفاع الأول عن الصناعة اليمنية واستهدافها لا يمكن أن يخرج عن ذلك كونها كانت في ظروف تاريخية كثيرة كانت هي الحاضر في ظل غياب الدولة في مواقف عدة كانت تتطلب حضورها ، لن أطيل الحديث في ذكر أمثلة لتلك المواقف التي يعرفها القريبيون من المجموعة أكثر مني ولديهم القدرة على ذلك في سرد العديد من المواقف الوطنية لهذه المجموعة التي لديها القدرة في قراءة المشهد الاقتصادي في اليمن الذي شهد ويشهد تحولات ومتغيرات لا يمكن إغفالها أو تجاوزها منذ سقوط الدولة الهشة في 2014م لكنني أقرء الزج بأسم المجموعة بصورة حيادية استطيع من خلالها التأكيد أن من كان وراء ذلك يهدف إلى ما يهدف إليه إلى تفريغ اليمن من النماذج الوطنية لخدمة مشاريع تستهدف الهوية وتستهدف إحلال رأس مال موالي لقوى محسوبة على أطراف إقليمية وفي حال تحقق ذلك لا سمح الله تكون مخرجات ومنتجات ذلك هو إخراج أكبر مجموعة اقتصادية يمنية من سوق العمل وهنا علينا كيمنيين أن نسأل من هو البديل ؟ ولمصلحة من ؟ وكيف سيكون المشهد إذا ما تحققت تلك الأهداف ونجح الإستهداف ؟ كل ذلك يندرج في إطار تغيير منظومة بكامل أبعادها السياسية والإقتصادية والإجتماعية ، السؤال الأهم الذي يفرض نفسه بقوة ماهي الأليات التي تم من خلالها كتابة الشق الاقتصادي في تقرير لجنة الخبراء ؟ وماهي الأدوات التي تم الإشتغال عليها في كتابة التقرير ؟ لكن المؤكد أن هناك حلقة مفقودة بين الكتابة وبين من نقل المعلومة وبين من قام بتوظيفها وبين الجهات المستفيدة من مخرجات هذا التقرير الذي لا يشك أحد أنه تم إعداده وفق أهداف يراد منها رسم خطوط عرض وخطوط طول جديدة ورسم ملامح للمشهد الإقتصادي في المرحلة القادمة الذي تكون أهم سماته هي إيجاد ما يمكن توصيفه برأسمال "كمبرادور " تابع للدوائر الإقليمية لايعمل وفق موانع ومحاذير وطنية وهنا أود التأكيد على نقطة هامة ومفصلية وهي أننا لا ندين التقرير بالقدر الذي ندين القواعد والأدوات والأليات التي اعتمدها لإظهار ما يعتقد أنها حقائق وهو الأمر الذي يستوجب ويفرض الشفافية في أخذ ما تم اعتماده كمسلمات مما يجعلنا نعيد النظر في تقييم المصدر نعم المصدر أو المصادر المعلوماتية لهذا التقرير ومدى حياديته ومدى كونه يندرج في إطار الاليات التي يمكن الإشتغال عليها مستقبلاً في ظروف مشابهة تجعل من تقرير كهذا على أهميته وخطورته يمكن أن يكون مقدمة في فتح الطريق لمقاولات مشبوهة على نفس النموذج في مشروع إعادة الإعمار في العراق من خلال مسميات وهمية وغير وطنية تستنزف مقدرات البلاد وتسيطّر على المشهد في مرحلة إعادة الإعمار التي سوف تتجاوز ميزانيتها المائة مليار ، علينا أن نكون حذرين والا ننخدع بما يتم الترويج له وأن نعي أن إستهداف مجموعة هائل سعيد أنعم ليس سوى مقدمة لمشاريع أخطر يتم الإشتغال عليها بصورة ممنهجة ومهما كان الخلاف في وجهات النظر مع مجموعة هائل سعيد يبقى الخلاف في إطاره الوطني ومع رأس مال أثبت أنه وطني بإمتياز وللحق أقول أن ورود أسم مجموعة شركات الحاج هائل سعيد أنعم ومعرفة النطاق العقل الجمعي والنخب اليمنية الأكيدة والدقيقة للأليات التي تتبعها المجموعة في تعاملاتها منذ نصف قرن يمكن أن يشكّل الحافز والدافع لنا كيمنيين على التوجس مما يمكن أن نعتبره إستهدافًا لآخر القلاع الإقتصادية الوطنية وهو ما يعني بداية لمشاريع اقتصادية يجري من خلالها تحييد الرأسمال الوطني وإخراجه من المشهد لصالح من ؟ الأيام والأشهر القادمة وحدها من ستجيب على الكثير من التساؤلات .
*رئيس المركز الدولي للإعلام والعلاقات العامة IMC
إضافة تعليق